الحمد لله.
ثانيا :
ومثلها أيضا الفتاة التي تخرج من بيت وليها من غير إذنه ، فإذا كان ولي أمرها يملك
أمر تزويجها ، فمن باب أولى : أن يملك القيام عليها في أمرها كله ، ومن ذلك : أن
يأذن لها في الخروج من بيته ، أو لا يأذن ؛ خاصة مع فساد الزمان وتغير الأحوال ، بل
الواجب على الولي – أبا كان أم أخا - أن يتحمل هذه المسؤولية ، ويحفظ أمانته التي
عنده ، حتى يلقى الله تعالى وقد أدب ابنته وعلمها وأحسن إليها ، والواجب على الفتاة
: أن لا تخالفه في مثل ذلك ، وفي أمر المعروف كله ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن
وليها .
ثالثا :
لم يصح – فيما نعلم - حديث في لعن الزوجة التي تخرج من بيت زوجها بغير إذنه ، وأما
ما روي في ذلك فحديثان ضعيفان :
الحديث الأول :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
" أَتَتِ امْرَأَةٌ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ
اللهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زوجته ؟
قَالَ : لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ .
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟
قَالَ : لاَ تَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ
كَانَ لَهُ الأَجْرُ ، وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ .
قَالَتْ : يَا نَبِي الله مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امرأته ؟
قَالَ : لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ :
لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللهِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْغَضَبِ
حَتَّى تَتُوبَ ، أَوْ تراجع .
قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ : فَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا ؟
قَالَ : وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا .
قَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لاَ يَمْلِكُ عَلَيَّ أَمْرِي أَحَدٌ
بَعْدَ هَذَا أَبَدًا مَا بَقِيتُ " .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (رقم/17409) ، وعبد بن حميد في " المسند "
(رقم/813) ، وأبو داود الطيالسي في " المسند " (3/456) ، والبيهقي في " السنن
الكبرى " (7/292) جميعهم من طريق ليث بن أبي سليم عن عطاء عن ابن عمر .
وهذا حديث ضعيف فيه علتان :
1- ليث بن أبي سليم : اتفقت كلمة النُقَّاد على تضعيفه . انظر " تهذيب التهذيب "
(8/468) .
2- اختلاف ألفاظه ، مما يدل على اضطراب ليث فيه ، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله في " المطالب العالية " (5/189): " وهذا الاختلاف من ليث بن أبي سليم ، وهو
ضعيف " انتهى.
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله ، في " السلسلة الضعيفة " (رقم/3515).
الحديث الثاني :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
" أن امرأة من خثعم أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت :
يا نبي الله ! إني امرأة أيم ، وإني أريد أن أتزوج ، فما حق الزوج على زوجته ؟ فإن
استطعتُ ذلك ، وإلا جلست أيما ؟
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إن حق الزوج على زوجته إذا أرادها على نفسها
وهي على ظهر بعيره لا تمنعه ، ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تعطي من بيتها إلا
بإذنه ، وإن فعلت ذلك كان الإثم عليها والأجر لغيرها ، ومن حق الزوج على الزوجة أن
لا تخرج من بيته إلا بإذنه ، فإن فعلت ذلك لعنتها الملائكة حتى ترجع أو تتوب ) "
رواه البزار (2/177) ، وأبو يعلى في " المسند " (4/340) من طريق خالد الواسطي ، عن
حسين بن قيس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وحسين هذا هو الملقب بـ (حنش) ، وهو متروك كما قال الحافظ في "التقريب" ، وإلى
ذلك يشير الذهبي في "الكاشف" : " قال البخاري : لا يكتب حديثه " ، وبه أعله الهيثمي
، ولكنه قال (4/ 307) :
"رواه البزار ، وفيه حسين بن قيس المعروف بـ (حنش) ، وهو ضعيف ، وقد وثقه حصين بن
نمير ، وبقية رجاله ثقات" .
وأشار المنذري إلى تضعيف الحديث بتصديره إياه في "الترغيب" (3/ 77) بقوله : "روي".
انتهى، من " السلسلة الضعيفة " (رقم/3515) .
رابعا :
وبناء على ما سبق نَقول ، كما قال العلماء : بحرمة خروج النساء بغير إذن أوليائهن ،
وسواء في ذلك أكُنَّ متزوجات أم غير متزوجات ، ولكن لا نرتب على ذلك اللعن من
الملائكة ، لعدم صحة الحديث الوارد به .
والله أعلم .