الحمد لله.
أولا :
الموت والقبر ويوم القيامة ، ثلاث محطات عصيبة ، مخيفة رهيبة ، فالموت موعد انقطاع
العمل ، والقبر أول منازل الآخرة ، ويوم القيامة هو يوم الأهوال والحساب وليس بعده
إلا جنة نعيمها دائم ، أو نار حرها شديد .
فمن أحسن الاستعداد لذلك ، بالإيمان والعمل الصالح ، وأعد العدة لذلك فهو الكيّس
العاقل .
فهو عند المحطة الأولى وهي الموت : يبشر بلقاء الله فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه
، كما روى البخاري (6507) ، ومسلم (2683) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ
اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ
لِقَاءَهُ ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ ؟ قَالَ ( لَيْسَ
ذَاكِ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ
اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ،
فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ
إِذَا حُضِرَ ، بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ
أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ؛ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، وَكَرِهَ اللَّهُ
لِقَاءَهُ ) .
وقبل أن يصل العبد الصالح إلى قبره ،
فإنه يطالب حملة نعشه بالتعجيل والإسراع به إلى قبره ، كما روى أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا
وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ؛ فَإِنْ
كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ : قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ
صَالِحَةٍ ، قَالَتْ : يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا ، يَسْمَعُ
صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ
لَصَعِقَ ) رواه البخاري (1314) .
فإن وصل المحطة الثانية ، وهي القبر :
جاءه عمله الصالح فآنسه ، وفُسح له في قبره ، ومُدّ له فيه ، وفُتح له باب إلى
الجنة ، فيأتيه من ريحها وعبيرها ، كما جاء في حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
الطَّوِيلِ ، وفيه بعد أن يجيب المؤمن على الأسئلة الثلاثة : ( فَيُنَادِي مُنَادٍ
فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ ،
وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ . قَالَ
: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ
بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ
الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي
كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ ، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ
بِالْخَيْرِ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمْ
السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي ... ) الحديث رواه أحمد (17803)
وأبو داود (4753) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" ( ص 156 ) .
ثم إذا وصل المحطة الثالثة ، ونفخ في
الصور ، وخرج الناس أشتاتا فزعين ، ودنت منهم الشمس ، وأصابهم من الغم والكرب ما لا
يطيقون ولا يحتملون ، فإن المؤمن الذي عمل الصالحات يبعث آمنا ، وتتلقاه الملائكة
تبشره ، ويكون في ظل عرش الرحمن ، ويسقى من حوض الكوثر شربة هنيئة لا يظمأ بعدها
أبدا ، ويحاسب حسابا يسيرا ، ثم يصير إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، مصداقَ قوله
تعالى : ( لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) سورة الأنبياء /103 .
ثانيا :
السبب الجامع الذي يجعل من الموت والقبر ويوم القيامة محطات بهجة وسعادة للمؤمن ،
هو الإيمان بالله والعمل الصالح ، كما قال تعالى : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) سورة النحل /28 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ) سورة المائدة /69 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ
مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا
وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ
الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ ) سورة الأنبياء /103 .
وبقدر ما يقوم بقلب المسلم من الإيمان بالله ، وما تقوم به جوارحه من العمل الصالح ، يكون له من الأمن والسعادة والبهجة في الحياة الآخرة .
ولا حصر لذلك في شيء دون شيء ؛ فكل ما
ورد في الكتاب والسنة من المسارعة في الخيرات ، والمداومة على العمل الصالح ،
وصنائع المعروف ، ومسابقة أهل الخير والصلاح : فهو مما يقرب إلى الله ، ويزيد
المؤمن بهجة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .