الحمد لله.
العمل إذا كان أصله لله ثم طرأ على صاحبه الرياء وكان مما يرتبط أوله بآخره كالصلاة
مما اختلف فيه , فذهب بعض أهل العلم إلى بطلانه كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (9359).
وذهب بعضهم إلى أن العمل لا يبطل بالكلية ما دام أن أصله لله تعالى ، ولكن ينقص
الرياء ثوابه ويجازى على أصل نيته الأولى , قال ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم
والحكم " (1 / 82):
" وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ
الرِّيَاءِ ، فَإِنْ كَانَ خَاطِرًا وَدَفَعَهُ ، فَلَا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ
، وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ ، أَمْ لَا يَضُرُّهُ
ذَلِكَ وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ ؟
فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ ، قَدْ حَكَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا
يَبْطُلُ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى . وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " مَرَاسِيلِهِ
" عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّ بَنِي سَلَمَةَ كُلَّهُمْ يُقَاتِلُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ لِلدُّنْيَا
، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ نَجْدَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ ابْتِغَاءَ
وَجْهِ اللَّهِ ، فَأَيُّهُمُ الشَّهِيدُ ؟ قَالَ: كُلُّهُمْ ، إِذَا كَانَ أَصْلُ
أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا .
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ
يَرْتَبِطُ آخِرُهُ بِأَوَّلِهِ ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ ، فَأَمَّا
مَا لَا ارْتِبَاطَ فِيهِ ، كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ
وَنَشْرِ الْعِلْمِ ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِنِيَّةِ الرِّيَاءِ الطَّارِئَةِ
عَلَيْهِ ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ " انتهى .
فأنت ترى أيها السائل أن
المسألة محل خلاف بين أهل العلم .
فعلى الإمام إذا ابتلي بالرياء في صلاته : أن يدافعه ما استطاع ولا يسترسل معه .
فلو استرسل معه : فإنه ـ مع إثمه - لا يجب عليه قطع صلاته ؛ لأن بطلان صلاته في هذه
الحالة ليس متفقا عليه ، بل محل خلاف , وقطع الصلاة للإمام ، مع الاستخلاف : مشوش
على المأمومين.
ثم إن قطع الصلاة ، بمثل ذلك
، يوشك أن يفتح باب الوساوس والخطرات ، ويخرج العبادة عن موضوعها ؛ وأمر النيات
ومقاصد العباد : باب خفي ، يحتاج إلى دوام مجاهدة ، ومعالجة من العبد .
قال سفيان الثوري: "ما عالجت شيئًا عليّ أشدّ من نيتي، إنّها تتقلب علي" !! .
والله أعلم .