الحمد لله.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله
:
" ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) من التجارة
فيه ، وعدم تعريضه للأخطار ، والحرص على تنميته " انتهى من " تفسير السعدي "
(ص/457) .
وللفائدة ينظر في جواب
السؤال رقم : (139359) .
ثانياً :
اختلف العلماء رحمهم الله : في الولي إذا تاجر في مال اليتيم ، هل يجوز له أن يأخذ
لنفسه جزءاً من الربح ، مقابل عمله في ذلك المال ؟ على قولين لأهل العلم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَمَتَى اتَّجَرَ فِي الْمَالِ بِنَفْسِهِ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ ،
وَأَجَازَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ : أَنْ يَأْخُذَهُ الْوَصِيُّ
مُضَارَبَةً لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ بِذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ
فَجَازَ أَنْ يَأْخُذ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ
الرِّبْحَ نَمَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِعَقْدٍ
, وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ الْمُضَارَبَةَ مَعَ نَفْسِهِ " انتهى من
" المغني " (4/165) .
وقال الشيخ خالد المشيقح
حفظه الله :
" اختلف العلماء رحمهم اللَّه في استحقاق الولي ، أو غيره ممن عمل في مال اليتيم
جزءاً من ربحه على قولين :
القول الأول : أنه يجوز
للولي أن يأخذ لنفسه ، وأن يعطي غيره ، وهو مذهب الحنفية ، وتخريج للحنابلة .
وحجة هذا القول :
1. قوله تعالى : ( ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) ، وجه
الدلالة : أنه إذا جاز لـه الأكل مع عدم العمل ، فجوازه مع العمل فيه وتنميته من
باب أولى .
2. قوله تعالى : ( إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) ، وجه
الدلالة : أن صريح الآية تحريم أكل مال اليتيم ظلماً ، مفهومها جوازه مع عدم الظلم
، ومن ذلك أخذ شيء من ربح ماله ، إذ هو أخذ بحق ؛ لأنه مقابل العمل بماله .
3. قول عمر رضي الله عنه : "
ابتغوا في أموال اليتامى لا تستغرقها الصدقة " ، وجه الدلالة : أن عمر رضي الله عنه
أمر بالمضاربة في مال اليتيم ، والمضاربة دفع مال لمن يعمل فيه مقابل جزء مشاع من
ربحه .
4. أنه إذا جاز للولي أن
يدفع جزءاً من ربح مال اليتيم إلى غيره ، فكذا يجوز لـه أخذ ذلك .
القول الثاني : أن الولي ليس
لـه أن يأخذ شيئاً من الربح ، وله أن يعطي غيره ممن دفع لـه المال مضاربة ، وبه قال
جمهور أهل العلم من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
وحجة هذا القول : أن الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقه غيره إلا بعقد ، ولا يجوز
أن يعقد الولي المضاربة لنفسه .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول ، إذ لا فرق بين الولي وغيره مع زوال التهمة
. ولأن الولي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فأشبه تصرف
المالك في ماله " انتهى من " الإفادة من مال اليتيم في عقود المعاوضات والتبرعات "
للشيخ خالد المشيقح (ص/297-298) .
فعلى القول ، بأن للولي أن
يأخذ جزءاً من الربح إذا هو تاجر بمال اليتيم ، ففي هذه الحال الذي يحدد مقدار ذلك
الربح ، هو القاضي الشرعي ؛ حتى لا يقع الإنسان في محاباة نفسه ، فيأخذ أكثر مما
يستحق .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
" فإذا أراد الولي أن يأخذ أجرة على أعماله ، أو جزءا من الربح في تجارته في
أموالهم ، فعليه مراجعة الحاكم الشرعي ، حتى يحدد له ما يقتضيه الشرع المطهر في ذلك
" .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (21/103) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" قوله : ويتجر له مجاناً يعني أن ولي الصغير والمجنون والسفيه يتجر له ، أي :
لموليه ، مجاناً ، يعني لا يأخذ شيئاً ، فيبيع ويشتري بماله ، ولكن لا يأخذ شيئاً ؛
لأنه أمين يتصرف لحظ هذا الذي ولاه الله عليه .... .
فإذا قال : أنا أريد أن أتجر بمال المحجور عليه ، ولي نصف الربح ، أو ربع الربح حسب
ما يرى في السوق ، فإنه ليس له ذلك ؛ لأنه متهم ، فلا يجوز أن يفعل ، لكن كما سبق ،
إذا كان يقول : أنا لن أتجر إلا بسهم ؛ لأنه يصدني عن اتجاري بمالي ، نقول : حينئذٍ
تُحوَّلُ المسألة إلى القاضي ، ليفرض له من السهم ما يرى أنه مناسب " .
انتهى من " الشرح الممتع " (9/309 - 311) .
وينظر جواب السؤال رقم : (59933) .
فإذا كنت في بلد ليس بها
قضاء شرعي ، فإنك تجتهد في سؤال رجلين ، أو أكثر ، من أهل الثقة والأمانة والخبرة ،
عن النسبة التي تستحقها مقابل عملك ، فلا تخرج عما يخبرونك به ، ثم تكتب بذلك كتابا
وتشهد عليه رجلين عدلين ، ويستحسن أن يكونا من العائلة حتى تدفع التهمة عن نفسك ،
فلا تتهمك هذه اليتيمة أو غيرها أنك أكلت مالها بغير حق .
ثانياً :
لا يجوز لك أن تأخذ شيئا من الأرباح الماضية شيئا ، لأنك لم تتجر فيه بنية المضاربة
والمشاركة في الربح أصلا ، وإنما فعلت ذلك متبرعا .
لكن إذا كنت فقيرا محتاجا للمال ، فيجوز لك أن تأخذ الأقل من مقدار كفايتك أو أجرة
عملك .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ وَصِيٍّ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ
، وَقَدْ قَارَضَ فِيهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَقَدْ رَبِحَ فِيهِ فَائِدَةً
مِنْ وَجْهِ حِلٍّ : فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْفَائِدَةِ
شَيْئًا ؟ أَوْ هِيَ لِلْيَتِيمِ خَاصَّةً ؟
فَأَجَابَ : "الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ ؛ لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ
فَقِيرًا ، وَقَدْ عَمِلَ فِي الْمَالِ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ
الْأَمْرَيْنِ : مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ، أَوْ كِفَايَتِهِ ، فَلَا يَأْخُذُ
فَوْقَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ
، لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْهَا " انتهى من " مجموع الفتاوى " لابن تيمية
(31/323).
والله أعلم .