الحمد لله.
أولا :
نسأل الله تعالى أن يزيل همك ويشفيك ، ونبشرك ببشرى النبي صلى الله عليه وسلم التي
رواها عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : " قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلاَ
أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ قُلْتُ: بَلَى ، قَالَ : هَذِهِ
المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ،
قَالَ: ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ
أَنْ يُعَافِيَكِ ) ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ ،
فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " رواه البخاري ( 5652 )
، ومسلم ( 2576 ) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وفي الحديث فضل من يصرع ، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة " .
انتهى من " فتح الباري " ( 10 / 115 ) .
ثانيا :
قد شرع الله تعالى النكاح وندب إليه ، ومن ذلك قول الله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا
طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا
تَعُولُوا ) النساء /3 .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ
وِجَاءٌ ) رواه البخاري ( 5065 ) ، ومسلم ( 1400 ) .
والأصل في الزواج أنه مندوب إليه وليس بواجب ، وهذا قول عامة الفقهاء .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وفي هذا الحديث الأمر بالنكاح لمن استطاعه ، وتاقت إليه نفسه ، وهذا مجمع عليه .
لكنه عندنا ، وعند العلماء كافة : أمر ندب لا إيجاب " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 9 / 173 ) .
وقال ابن القطان رحمه الله تعالى :
" والنكاح مندوب إليه وليس بواجب ، وهذا قول الفقهاء أجمع " .
انتهى من " الإقناع في مسائل الإجماع " ( 2 / 5 ) .
وقد روي عن الإمام أحمد وبعض أصحابه أنه واجب ، وَوَجَّه بعضُ أهل العلم هذا القولَ
أنه في حالة الخوف من الوقوع في الشهوات المحرمة .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع .
واختلف أصحابنا في وجوبه ؛ فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب ، إلا أن يخاف أحد على
نفسه الوقوع في محظور بتركه ، فيلزمه إعفاف نفسه .، وهذا قول عامة الفقهاء .
وقال أبو بكر عبد العزيز : هو واجب ، وحكاه عن أحمد . وحكي عن داود أنه يجب في
العمر مرة واحدة ؛ للآية والخبر" ، ثم استدل ابن قدامة على عدم وجوبه بقوله : "لأن
الله تعالى حين أمر به ، علقه على الاستطابة ، بقوله سبحانه : ( فَانكِحُوا مَا
طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) . والواجب لا يقف على الاستطابة ، وقال: ( مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) ، ولا يجب ذلك بالاتفاق ، فدل على أن المراد بالأمر الندب ،
وكذلك الخبر : يحمل على الندب ، أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور بترك
النكاح . قال القاضي : وعلى هذا يحمل كلام أحمد وأبي بكر ، في إيجاب النكاح " انتهى
من " المغني " ( 9 / 340 - 341 ) .
لكن إذا خاف الإنسان على
نفسه فتنة النساء ، وأن يقع في المحرمات كالزنا أو الاستمناء أو غيرهما ، وله قدرة
على الزواج : وجب عليه في هذه الحالة أن يتزوج ؛ لأن الزواج في هذه الحالة وسيلة
لترك الحرام ، وتركه واجب والقاعدة تقول : مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" والناس في النكاح على ثلاثة أضرب ؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك
النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه ،
وصونها عن الحرام ، وطريقه النكاح ... " انتهى من " المغني " ( 9 / 341 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وإن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه : قدمه على الحج الواجب " .
انتهى من " الاختيارات " ( 201 ) .