الحمد لله.
وقد كان رضي الله عنه رجلا صالحا تقيا سباقا للخير والفضل ، مواليا أهل الإيمان
، معاديا أهل الكفر ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، مجاهدا في سبيل الله ، حتى
أكرمه الله بالشهادة يوم مؤتة سنة ثمان من الهجرة ، مع زيد بن حارثة وجعفر بن أبي
طالب رضي الله عنهم ، فنعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قبل أن يأتيهم
خبرهم .
روى البخاري (2798) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ
فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ
إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ) ، وَقَالَ: (مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا) أَوْ
قَالَ: (مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا) وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ .
وقد روى الترمذي (2847) وصححه عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى
تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ
أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وروى البخاري (1945) ومسلم (1122) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
قَالَ: (
لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ
أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ
عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ صَائِمٌ، إِلَّا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ).
ثانيا :
روى البخاري (1155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال - وَهُوَ يَقُصُّ
فِي قَصَصِهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
:" إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ " يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ رَوَاحَةَ
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ
الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ
وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ
بِالْمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَطْرَدَ إِلَى حِكَايَةِ مَا قِيلَ فِي وَصْفِهِ فَذَكَرَ
كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِمَا وُصِفَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ
" انتهى، من "فتح الباري" (3/41).
وقال بدر الدين العيني رحمه الله :
" قوله: (وَفينَا) أَي: بَيْننَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(يَتْلُو كِتَابه) أَرَادَ بِهِ الْقُرْآن، وَالْجُمْلَة حَالية. قَوْله: (إِذا
انْشَقَّ) ، وَفِي رِوَايَة: (كَمَا انْشَقَّ) . قَوْله: (مَعْرُوف) فَاعل
(انْشَقَّ) . قَوْله: (سَاطِع) صفة: لمعروف (وَمن الْفجْر) بَيَان لَهُ، وَهُوَ من
سَطَعَ الصُّبْح إِذا ارْتَفع، وَأَرَادَ بِهِ أَنه يَتْلُو كتاب الله وَقت
انْشِقَاق الْوَقْت الساطع من الْفجْر. قَوْله: (الْهدى) مفعول ثَان. لـ (أرانا) .
قَوْله: (بعد الْعَمى) ، أَي: بعد الضَّلَالَة، وَلَفظ الْعَمى مستعار مِنْهَا.
قَوْله: (بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يُجَافِي)
أَي: يباعد، وَهِي جملَة حَالية، ومجافاته جنبه عَن الْفراش كِنَايَة عَن صلَاته
بِاللَّيْلِ. قَوْله: (إِذا استثقلت) أَي: حِين استثقلت بالمشركين (الْمضَاجِع) جمع
مَضْجَع، وَكَأَنَّهُ لمح بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: (تَتَجَافَى جنُوبهم عَن
الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ)
السَّجْدَة/ 61 " انتهى من "عمدة القاري" (7/ 214).
وينظر السؤال رقم : (83121).
والله أعلم .