الحمد لله.
ثانيا :
روى الطبري في "تفسيره" (23/469) ، والحاكم (3822) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات"
(832) عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) قَالَ: " فِي كُلِّ أَرْضٍ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ ، وَنَحْوُ
مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ " .
وفي لفظ :
( سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ ، وَآدَمُ كآدمَ ،
وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى كَعِيسَى ) .
ثم روى الطبري (23/ 469) عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: " لو
حدثتكم بتفسيرها لكفرتم ، وكفركم تكذيبكم بها " .
قال البيهقي : " إِسْنَادُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
صَحِيحٌ، وَهُوَ شَاذُّ بِمُرَّةَ ، لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ
مُتَابِعًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المنتخب" (ص125):
" عن أَحْمَد بْن أَصْرَمَ الْمُزَنِيّ ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ
حَدِيثِ شَرِيكٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: " نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ، وَنُوحٌ كَنُوحِكُمْ، وَآدَمُ
كَآدَمَكُمْ ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة َ،
عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لا يَذْكُرُ هَذَا، إِنَّمَا يَقُولُ :
" يَتَنَزَّلُ الْعِلْمُ وَالأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " .
وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ اخْتَلَطَ، وَأَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ
" .
وقال الذهبي في "كتاب العلو" (ص 75) ما ملخصه :
" رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي الصِّفَاتِ ، ورُوَاته ثِقَات ، وَرُوِيَ عَن عَطَاءُ
بْنُ السَّائِبِ مُطَوَّلا بِزِيَادَةٍ ، غَيْرَ أَنَّنَا لَا نَعْتَقِدُ أن
لذَلِكَ أصلا ، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا الْحَاكِم أَنبأَنَا أَحْمد بن
يَعْقُوب الثَّقَفِيّ حَدثنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " سبع أَرضين، وَفِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ،
وَآدَمُ كَآدَمِكُمْ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى
كَعِيسَى "
شَرِيكٌ وَعَطَاءٌ فِيهِمَا لِينٌ لَا يَبْلُغُ بِهِمَا رَدَّ حَدِيثِهِمَا ،
وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ تُحَيِّرُ السَّامِعَ ، كَتَبْتُهَا اسْتِطْرَادًا
لِلتَّعَجُّبِ ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ: اسْمَعْ وَاسْكُتْ " انتهى .
وقال السيوطي رحمه الله في "الحاوي" (1/ 462):
" هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ:
إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ بِمَرَّةٍ ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ
الْبَيْهَقِيِّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ
الْإِسْنَادِ صِحَّةُ الْمَتْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ ؛
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِحَّ الْإِسْنَادُ وَيَكُونُ فِي الْمَتْنِ شُذُوذٌ أَوْ
عِلَّةٌ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ ، وَإِذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ أَغْنَى ذَلِكَ
عَنْ تَأْوِيلِهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَقَامِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ
الْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (1/ 42):
" مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمْ
طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ تُرَابٍ، وَالَّتِي
تَحْتَهَا مِنْ حَدِيدٍ، وَالْأُخْرَى مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ كِبْرِيتٍ، وَالْأُخْرَى
مِنْ كَذَا. فَكُلُّ هَذَا إِذَا لَمْ يُخْبَرْ بِهِ وَيَصِحَّ سَنَدُهُ إِلَى
مَعْصُومٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ .
وَهَكَذَا الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " فِي كُلِّ
أَرْضٍ مِنَ الْخَلْقِ مِثْلُ مَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ حَتَّى آدَمَ كَآدَمِكُمْ ،
وَإِبْرَاهِيمَ كَإِبْرَاهِيمِكُمْ " فَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَصَرًا،
وَاسْتَقْصَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ
إِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخَذَهُ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى .
فهذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعلى تقدير صحته : يكون مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب ، ولا حجة في هذا .
فلا يصح أن يقال بمقتضى هذا
الأثر ، وهو قول مستنكر لا دليل عليه .
والله تعالى أعلم .