الحمد لله.
وسيستمع المسلم المقيم في تلك البلاد إلى شبهات القوم وأباطيلهم وأكاذيبهم ، وهو
ليس عنده من العلم الراسخ ما يرد به تلك الشبهات ، فيتأثر قلبه بها ولابد ، إما
قبولاً لها ورضى بها ، وإما نوعاً من الشك والحيرة ، وإما نوعاً من القلق والمرض
الذي يصيب القلب .
ولذلك كثر تحذير السلف والأئمة من الاستماع لأهل الباطل ، حفاظاً على صحة القلب
وسلامته.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني (ت:449هـ) في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"
(ص298-299): " ويبغضون أهلَ البدع ، الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا
يحبونَهم ، ولا يصحبونَهم ، ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونَهم ، ولا يجادلونَهم
في الدين ، ولا يناظرونَهم ، ويرون صون آذانِهم عن سماع أباطيلهم ، التي إذا مرت
بالآذان ، وقرت في القلوب ضرَّت ، وجرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما
جَرَّت " انتهى .
وقالَ ابنُ قُدامة رحمه الله (ت:620هـ): " كَانَ السَّلَفُ يَنْهَوْنَ عَنْ
مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ وَالاسْتِمَاعِ
لِكَلامِهِمْ " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/251) .
وعَلَّقَ الذهبيُّ رحمه الله (ت:748هـ) على تحذير السلف من مجالسة أهل البدع بقوله
: " أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ
القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ ".
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/261) .
ومن أجل ذلك أفتى الأئمة بتحريم الإقامة في بلد يسب فيه أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
قال الإمام مالك رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُّ فيها السلف" .
قال ابن العربي: " وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال
الله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
الأنعام/68" .
انتهى من " تفسير القرطبي " (5/350).
قال البهوتي : " وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ وَالسَّفَرُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
وَبِلَادِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ ، وَإِلَى بِلَادِ
الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ وَالرَّوَافِضِ ، وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْهَا - أَنْ لَوْ كَانَ فِيهَا - مُسْتَحَبَّةٌ
إنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا :
فَحَرَامٌ سَفَرُهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ"
انتهى من "كشاف القناع" (3/131).
والله أعلم .