الحمد لله.
ثانيا :
روى البخاري (4814) ، ومسلم (2955) - واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ
يَأْكُلُهُ التُّرَابُ ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ ، خُلِقَ وَفِيهِ
يُرَكَّبُ) .
فظاهر هذا : أن جميع بني آدم تأكلهم الأرض ، ولا يبقى من أجسادهم شيء إلا عجب الذنب
، وهو عظم صغير في أسفل الظهر .
ولم يرد - فيما نعلم –
استثناء أحد لا تأكله الأرض إلا الأنبياء فقط ، فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله
عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) رواه أبو داود (1047)
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" لا نقول على الله ما لا نعلم ، نقول: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد
الأنبياء ، أما غير الأنبياء: فلا دليل معنا بأن أجسادهم تبقى " .
انتهى من "موسوعة الألباني في العقيدة" (8/ 153) .
ولا يمنع ذلك أن يحفظ الله
أجساد بعض أوليائه ، من الشهداء والصالحين ، فلا تأكل الأرض أجسادهم ، كرامة من
الله لهم ، لكن ليس ذلك على سبيل اللزوم لكل ولي أو صالح ، فإن الأصل أن تأكل الأرض
أجساد الناس .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا
رُوِي فِي السُّنَنِ.
وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَقَدْ شُوهِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ مُدَدٍ مِنْ دَفْنِه ، كَمَا
هُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُه كَذَلِكَ فِي تُرْبَتِه إِلَى يَوْمِ
مَحْشَرِه، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَبْلَى مَعَ طُولِ الْمُدَّة ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَكَأَنَّه - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كُلَّمَا كَانَتِ الشَّهَادَة
أَكْمَلَ، وَالشَّهِيدُ أَفْضَلَ، كَانَ بَقَاءُ جَسَدِه أَطْوَلَ " انتهى من"شرح
الطحاوية" (ص 401) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما الشهداء والصديقون والصالحون: فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم ،
وإلا فالأصل أنها تأكله: ولا يبقى إلا عجب الذنب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح"
(204/ 10) .
وانظر جواب السؤال رقم : (109997) .
والذي ينبغي للعبد الناصح
لنفسه : أن يهتم به أن يجتهد في طاعة الله تعالى حتى يكون منعما في قبره ، ثم يفوز
بالنعيم الأعظم يوم القيامة .
وما أحسن ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المهم كل المهم : أن يكون الإنسان منعماً في قبره ، سواء بقي الجسم أم لم يبق " .
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (204/ 10) بترقيم الشاملة.
وقد روى الفاكهي في "أخبار مكة" (2/ 351) ، وابن حزم في "المحلى" (1/42) عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ ، قَالَتْ : " لَمَّا صُلِبَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا الْمَسْجِدَ وَذَلِكَ حِينَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَصْلُوبٌ ،
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي
نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا، وَقَالَ: " إِنَّ هَذِهِ
الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ،
فَاتَّقِي اللهَ وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ " .
إسناده صحيح . وينظر : "سير أعلام النبلاء" (2/294) وحاشيته .