الحمد لله.
الأصل الثالث :
أن طلب الدليل الصحيح لكل مسألة هو الواجب على القادر على ذلك ، ممن له أهلية الفهم
لنصوص الكتاب والسنة ، أما العاجز عن فهم نصوص الكتاب والسنة بنفسه فهو مضطر لتقليد
أحد علماء هذه المذاهب ، ممن يثق بعلمه ودينه ، ويكون هذا هو الواجب عليه .
قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )التغابن/ 16 .
وقال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )البقرة /286
.
قال الشيخ محمّد الأمين الشّنقيطي رحمه الله تعالى :
" المضطر للتقليد الأعمى اضطرارا حقيقيّا ، بحيث يكون لا قدرة له ألبتّة على غيره ،
مع عدم التّفريط ، لكونه لا قدرة له أصلا على الفهم ، أو له قدرة على الفهم وقد
عاقته عوائق قاهرة عن التعلم ، أو هو في أثناء التعلّم ولكنّه يتعلّم تدريجيّا ؛
لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد ، أو لم يجد كفؤا يتعلم منه ، فهو
معذورٌ في التّقليد المذكور ، للضرورة ؛ لأنّه لا مندوحة له عنه .
أما القادر على التعلم المفرط فيه ، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي ،
فهذا الذي ليس بمعذور" انتهى من " أضواء البيان " (7 / 588) .
الأصل الرابع :
ضرورة اطلاع العالم أو طالب العلم على مذاهب أهل العلم ، للآتي :
1-عدم الاطلاع على أقوال المذاهب وأدلتها يفوّت معرفة مواقع الاتفاق ومواقع الخلاف
، وهذا قد يؤدي إلى خرق ما اتفق عليه المسلمون واتباع غير سبيلهم .
قال السيوطي رحمه الله تعالى :
" من شروط الاجتهاد : معرفة أقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، إجماعا واختلافا
، لئلا يخرق الإجماع فيما يختاره " انتهى من " صون المنطق " ( ص 47 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" الذين أخذوا بالحديث دون أن يرجعوا إلى ما كتبه العلماء في الأحكام الشرعية ...
تجد عندهم من المسائل الغريبة : ما تكاد تجزم بأنها مخالفة للإجماع ، أو يغلب على
ظنك أنها مخالفة للإجماع ، لهذا ينبغي للإنسان أن يربط فقهه بما كتبه الفقهاء رحمهم
الله ، ولا يعني ذلك أن يجعل إمام هذا المذهب كالرسول عليه الصلاة والسلام يأخذ
بأقواله وأفعاله على وجه الالتزام " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثمين " (26 / 177)
.
2-معرفة أقوال أهل العلم عامة أمر هام ؛ حتى لا يشذ الطالب ، أو العالم ، في مسألة
ما ، أو في فهم نص ما ، بقول أو فهم لم يسبقه إليه أحد ، ويخالف به كل من سبقه من
أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" كل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ، ولم يسبقه إليه أحد منهم ، فإنه يكون خطأ
، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (21 / 291) .
3-المسائل الفقهية منها ما قام عليه دليل صريح من الكتاب والسنة ، إلا أنه يصعب أن
يحيط العالم بجميع السنة ، وعلى فرض إمكانية ذلك ، فإنه يصعب أن يستحضرها كلها حال
بحثه عن حكم مسألة معينة ، خاصة وأن بعض أحاديث الأحكام قد توجد في غير مظانها من
الكتب ، لكن برجوع العالم والطالب إلى أقوال المذاهب في المسألة ، ومطالعة أدلتهم ،
والاستفادة من جهودهم على مدار مئات السنين يحقق له هذا التصرف فائدة جمع الأدلة في
المسألة ، والمقارنة والترجيح بينها ، وهذا ما يسمّى بـ " الفقه المقارن " .
وهناك الكثير من الفروع الفقهية لا يوجد نص شرعي صريح عليها ، وإنما يستدل عليها
بالإجماع أو القياس أو الاستصحاب وغيرها من طرق الاستدلال ، فإذا اكتفى الشخص برأي
نفسه ، ولم يرجع إلى كتب المذاهب ، ويطلع على أدلتها ، ويسترشد بها في معرفة الراجح
: لم يكن في هذه الحالة باذلا للجهد والوسع في معرفة الحق الذي هو واجب على المجتهد
، والمتصدر للفتوى .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" وأما المسائل التي لا نص فيها فالصواب النظر في اجتهادهم – أي أئمة المذاهب -
فيها . وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا ؛ لأنهم أكثر علما وتقوى
منا " .
انتهى من " أضواء البيان " (7 / 589) .
والله تعالى أعلم .