الحمد لله.
إذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها ، فهذا شرط صحيح يلزم الوفاء به ، فإن تزوج عليها كان لها حق الفسخ .لما روى البخاري ( 2721 ) ومسلم ( 1418 ) أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم (143120).
أما أن تشترط المرأة على زوجها ألا يصلي النوافل : فهذا شرط باطل ، ولا يجب عليه الوفاء به؛ وإنما كان باطلا لأنه يناقض كتاب الله تعالى ويعارضه ، وما كان كذلك فإنه يكون باطلا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( َمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ ) رواه البخاري (2168) ومسلم (1504).
وإنما كان معارضا لكتاب الله تعالى ؛ لأن الله سبحانه قد أمر بفعل الخير ، وبالإكثار من صلاة النوافل، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الحج: 77]، وأثنى الله تعالى على المتقين بأنهم يكثرون من قيام الليل فلا ينامون إلا قليلا ، قال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الذاريات: 15 - 18]، وقال تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ) [الفرقان: 63، 64].
وأثنى الله تعالى على طائفة من أهل الكتاب فقال : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) [آل عمران: 113].
وأما وجه التفريق بين الحالين : فهو أن المرأة لها غرض صحيح في ترك الزواج عليها؛ لأن من طبعها الغيرة ، خصوصا من ضرتها ، وهذا أمر جبلت عليه المرأة ، لم يسلم منه أحد ، حتى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن، فعن عائشة رضي الله قَالَتْ : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ ( أي : ماتت ) قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ) رواه البخاري (3815 ( .
وأخرج البخاري (5225) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ" .
ثم إن المرأة تتضرر أيضا إذا كانت لها ضرة ، سوى أمر الغيرة ؛ فبدل أن يكون زوجها مُخْليا لها ، كل ليلة ، سوف يحتاج إلى القسم بينها وبين ضرتها ، أو ضرائرها ، فيقل نصيبها منه ، وتشركها غيرها في نفقتها ونفقة بيتها ، ففي كل ذلك نقص ظاهر لحظها من زوجها ، ومن ماله.
وأما بخصوص العبادات من نوافل الصلاة وغيرها : فليس لها غرض صحيح في ترك زوجها لها، مع ما في مناقضة مثل هذا الشرط لمقصود الشارع .
وإذا لم يكن للوالدين أن يمنعا ولدهما ، من نوافل العبادات ، على وجه الدوام ؛ فأولى ألا يكون للزوجة أن تشترط على زوجها ذلك .
قال تقي الدين السبكي رحمه الله : "وإذا أمراه بترك سنة أو مباح أو بفعل مكروه :
فالذي أراه تفصيل ؛ وهو أنهما :
إن أمراه بترك سنة دائما فلا يسمع منهما ؛ لأن في ذلك تغيير الشرع ، وتغيير الشرع حرام ، وليس لهما فيه غرض صحيح ، فهما المؤذيان أنفسهما بأمرهما ذلك .
وإن أمراه بترك سنة في بعض الأوقات :
فإن كانت غير راتبة : وجب طاعتهما .
وإن كانت راتبة:
- فإن كانت لمصلحة لهما : وجبت طاعتهما.
-وإن كانت شفقة عليه ، ولم يحصل لهما أذى بفعلها : فالأمر منهما في ذلك محمول على الندب لا على الإيجاب ، فلا تجب طاعتهما " . انتهى .
فهذا هو الفرق بين الشرطين ، أن الأول لها فيه منفعة ظاهرة ، فجاز لها اشتراطه ، أما الثاني فلا منفعة لها فيه ، مع ما فيه من تغيير وضع العبادة على المكلف ، على وجه الدوام ، ومناقضة مقصود الشارع ؛ فلا يجوز لها اشتراطه .
وأما عن رأي الشيخين ابن باز والألباني فلم نعثر لهما على قول بخصوص هذه المسألة.
والله أعلم.