أرسل أحد الإخوة هذا الدعاء ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه إلا صرف الله عنه سبعين نوعا من البلاء أدناها الهم) . فما صحة هذا الدعاء؟ وإن لم يكن صحيحا فما حكم الدعاء به؟
الحمد لله.
هذا الحديث بهذا الفضل المذكور لا يُعرف له أصل، وقد ذكره موقع "الدرر السنية"، في تصنيف: "أحاديث منتشرة لا تصح"، عن سلمان رضي الله عنه من قوله، بلفظ: " ما من عبدٍ يقول حين يصبح ثلاثًا: الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، إلَّا صرف الله عنه سبعين نوعًا من البلاء، أدناها الهمُّ " وقالوا: "لا يصح ".
فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ثبت عنه؛ لئلا نقع في الكذب عليه؛ فإن ذلك من كبائر الذنوب الموبقة.
ولكن ثبت هذا الذكر في غير موضع في السنة، فمن ذلك:
ما رواه البخاري (799) عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: " كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَنِ المُتَكَلِّمُ؟، قَالَ: أَنَا، قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ
وروى البخاري (5458) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا.
وروى مسلم (600) عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟، فَأَرَمَّ الْقَوْمُ [ أي: سكتوا]، فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا، فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا".
وروى الترمذي (404) عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسْتُ، فَقُلْتُ: الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَقَالَ: مَنِ المُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ؟، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا، أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا ". وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وروى الترمذي (3383) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ.
فهذا الذكر من أفضل الحمد، الذي هو أفضل الدعاء، فلا بأس به، ولكن كونه يرفع سبعين نوعا من البلاء أدناها الهم: لا يصح، ولا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ثبت عنه الغنية والكفاية، والحمد لله.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 285348، 125885، 263376، 426688، 33663.
والله أعلم.