الحمد لله.
ثالثاً:
وقد نزَّه الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون أحد منهم مشاركاً في
قتل عثمان رضي الله عنه ، بل لم يكن أحدٌ من أبناء الصحابة مشاركاً ، ولا معيناً
لأولئك الخوارج المعتدين ، وكل ما ورد في مشاركة أحد من الصحابة – كعبد الرحمن بن
عديس ، وعمرو بن الحمِق - : فمما لم يصح إسناده .
1. قال ابن كثير – رحمه الله - :
وروى الحافظ ابن عساكر أن عثمان لما عزم على أهل الدار في الانصراف ، ولم يبق عنده
سوى أهله : تسوروا عليه الدار وأحرقوا الباب ودخلوا عليه ، وليس فيهم أحد من
الصحابة ولا أبنائهم ، إلا محمد بن أبي بكر " انتهى من " البداية والنهاية " ( 7 /
207 ) .
وسيأتي التنبيه على عدم صحة مشاركة محمد بن أبي بكر بقتل عثمان رضي الله عنه .
2. وقال النووي – رحمه الله - :
" ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة " انتهى من " شرح مسلم " ( 15 / 148 ) .
3. وقال ابن كثير – رحمه الله - :
" وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله : فهذا لا يصح عن
أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه ، بل كلهم كرهه ، ومقته ، وسبَّ من
فعله ".
انتهى من " البداية والنهاية " ( 7 / 221 ) .
4. وسئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله - :
هل كان في الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه أحدٌ من الصحابة ؟
فأجاب :
" لا نعلم أحداً من الصحابة شارك في قتل عثمان " .
انتهى من " شرح سنن الترمذي " ( شريط رقم 239 ) .
5. وقال الأستاذ محمد بن عبد الله غبان الصبحي – حفظه الله - :
" إنه لم يشترك في التحريض على عثمان رضي الله عنه ، فضلاً عن قتله ، أحد من
الصحابة رضي الله عنهم ، وأن كل ما رُوي في ذلك ضعيف الإسناد " .
انتهى من " فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه " ( 1 / 289 ) .
وهذا الكتاب من منشورات عمادة " البحث العلمي بالجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة
، في المملكة العربية السعودية " ، وهو كتاب قائم على تحقيق الروايات الواردة في كل
صغيرة وكبيرة في فتنة قتل عثمان رضي الله عنه ، وقد قام مؤلفه بحوار علمي حول
الكتاب مع الشيخ الألباني رحمه الله كما تجده في أشرطة " سلسلة الهدى والنور " تحت
رقم ( 404 ) .
رابعاً:
أما محمد بن أبي بكر : فليس هو من الصحابة أصلاً ، ثم إنه لم يصح اشتراكه في قتل
عثمان ، ولا في التحريض عليه ، وقد أثبت بعض العلماء روايات تبين تراجعه عن
المشاركة في قتل عثمان .
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" ليس له صحبة ولا سابقة ولا فضيلة ... فهو ليس من الصحابة ، لا من المهاجرين ولا
الأنصار ... وليس هو معدودا من أعيان العلماء والصالحين الذين في طبقته ... " .
ثم قال : " وأما محمد بن أبي بكر فليس له ذكر في الكتب المعتمدة في الحديث والفقه .
انتهى من " منهاج السنة النبوية " ( 4 / 375 – 377 ) باختصار .
2. وقال ابن كثير – رحمه الله - :
" ويروى أن محمد بن أبي بكر طعنه بمشاقص في أذنه حتى دخلت في حلقه .
والصحيح : أن الذي فعل ذلك غيره ، وأنه استحى ورجع حين قال له عثمان : لقد أخذت
بلحية كان أبوك يكرمها .
فتذمم من ذلك ، وغطى وجهه ، ورجع وحاجز دونه ، فلم يُفِد ، وكان أمر الله قدراً
مقدوراً ، وكان ذلك في الكتاب مسطوراً " انتهى من " البداية والنهاية "( 7 / 207 )
.
3. وقال الأستاذ محمد بن عبد الله غبان الصبحي – حفظه الله - :
" محمد بن أبي بكر لم يشترك في التحريض على قتل عثمان رضي الله عنه ، ولا في قتله ،
وكل ما روي في اتهامه بذلك : باطل لا صحة له " .
انتهى من " فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه " ( 1 / 290 ) .
رابعاً:
ولأجل ما تقرر من براءة الصحابة ـ قاطبة ـ من قتل عثمان ، مشاركة ، أو تسببا ، أو
رضى ؛ فقد ثبت أن طائفة من الصحابة الأجلاء لعنت قتلة عثمان رضي الله عنه ، ووصفهم
العلماء بما يليق بهم .
1. روى الإمام أحمد في " فضائل الصحابة " ( 1 / 455 ) بإسناد صحيح من طريق محمد بن
الحنفية قال : " بلغ عليّاً أن عائشة تلعن قتلة عثمان في " المربد " ، قال : فرفع
يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال : وأنا ألعن قتلة عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل
.
قال مرتين أو ثلاثاً " .
2. وقال النووي – رحمه الله - :
" وأما عثمان رضي الله عنه : فخلافته صحيحة بالإجماع ، وقُتل مظلوماً ، وقتلته فسقة
؛ لأن موجبات القتل مضبوطة ، ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ... .
وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل ، وسفلة الأطراف ، والأرذال ، تحزبوا وقصدوه
من مصر فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم ، فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه " .
انتهى من " شرح مسلم " ( 15 / 148 ، 149 ) .
3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وأما الساعون في قتله – يعني : عثمان - رضي الله عنه : فكلهم مخطئون ، بل ظالمون
، باغون ، معتدون ، وإن قُدِّر أن فيهم من قد يغفر الله له : فهذا لا يمنع كون
عثمان قُتل مظلوماً " انتهى من " منهاج أهل السنَّة " ( 6 / 297 ) .
وقال – رحمه الله - :
" والذين خرجوا على عثمان : طائفة من أوباش الناس " .
انتهى من " منهاج السنة النبوية " ( 8 / 164 ) .
فتبين مما سبق : عدم مشاركة
أحد من الصحابة رضي الله عنهم في قتل عثمان رضي الله عنه ، وأن من فعل ذلك فهو
يستحق اللعن والسب ، وقد قتلوا جميعاً شر قتلة .
روى أحمد في " فضائل الصحابة " ( 1 / 501 ) بإسناد صحيح عن عَمْرة بنت أرطأة
العدوية قالت : " خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة ، فمررنا بالمدينة ، ورأينا
المصحف الذي قتل وهو في حَجره ، فكانت أول قطرة من دمه على هذه الآية ( فسيكفيكهم
الله وهو السميع العليم ) قالت عمرة : فما مات منهم رجل سويّاً " انتهى .
وبذلك تعلم أنه يبقى الفضل
الثابت للصحابة عموماً ، ولأهل بيعة الرضوان خصوصاً ، على ما هو عليه ، واستحقوا
قول الله تعالى: ( لقد رَضيَ اللهُ عَن المُؤمنينَ إذ يُبَايعونَك تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلوبِهم فأنزَلَ السَّكينةَ عَليهم وأثَابَهم فَتحًا
قَريبًا ) الفتح/ 18 .
وبه يتبين كذب ذلك الرافضي ، وإنما أتي من اغتراره بما يوجد في بعض كتب أهل السنَّة
من مشاركة بعض الصحابة من أهل بيعة الرضوان في قتل عثمان رضي الله عنه ، وإنما هي
من طرق ضعيفة أو باطلة :
أو يكون من روي عنه ذلك : لم تثبت صحبته – مثل كنانة بن بشر وحكيم بن جبَلة – أو لم
تثبت مشاركته في قتل عثمان – كعمرو بن الحمِق وعبد الرحمن بن عُديس ، والخبر عنهما
أنهما مشاركان في قتل عثمان جاء من طريق " الواقدي " المتروك - .
ولمن أراد مزيداً من التفاصيل فليرجع لكتاب ابن العربي " العواصم من القواصم " ، وكتاب ابن غبان الصبحي " فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه " ، وكتاب " حقبة من التاريخ " للشيخ عثمان الخميس .
والله أعلم .