أعيش في الوقت الراهن في تركيا بغرض الدراسة ، حيث أعيش مع أربع من الأصدقاء في نفس المنزل ، وأريد منكم النصيحة حول كيفية التعامل معهم ؛ فهم يشاهدون أفلام سيئة ، ويستمعون للموسيقى وفي معظم الأحيان ، عندما يحين وقت الصلاة يتجاهلونها حتى لو صليت أمامهم أو أخبرهم بأني ذاهب إلى المسجد ؛ حتى لا يتذرعوا بعدم معرفتهم ، وفي بعض الأحيان أشجعهم لمشاهدة المحاضرات والمقاطع الإسلامية ، ولكنهم يقومون بمشاهدة أفلام الكرتون حتى لا أزعجهم أو أنكر عليهم مشاهدة التلفاز، فكيف يمكنني مساعدتهم لأني أشعر بالذنب تجاههم وأريد مساعدتهم؟
الحمد لله.
أولا :
الصحبة الصالحة مطلب شرعي ، على المسلم أن يحرص عليها أشد الحرص ؛ لأنها من أسباب النجاة من الفتن .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي (2395) ، وأبو داود (4832) ، وحسنه الألباني .
قال الخطابي رحمه الله تعالى :
" هذا إنما جاء في طعام الدعوة ، دون طعام الحاجة ، وذلك أن الله سبحانه قال : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) ، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً ، غير مؤمنين ولا أتقياء
وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ؛ فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب ، يقول : لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع ، ولا تتخذه جليساً تطاعمه وتنادمه " انتهى من " معالم السنن " (4 / 115) .
وعن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ ، فَحَامِلُ المِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ، ومسلم (2628) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16 / 178) .
فلهذا عليك أيها الأخ الكريم أن تجتهد للبحث عن صحبة صالحة يمكنك مشاركتهم في السكن، متى قدرت على ذلك.
ثانيا :
إذا لم تجد مكانا تسكن فيه إلا الذي أنت فيه الآن ، فلا حرج عليك أن تسكن معهم ، إذا اتقيت الله تعالى ؛ وذلك بأن لا تجالسهم على منكر ، وإذا رأيت منهم شيئا من ذلك نهيتهم وذكرتهم .
قال الله تعالى :
( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأنعام /68 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :
" هذا النهي والتحريم ، لمن جلس معهم ، ولم يستعمل تقوى الله ، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم ، أو يسكت عنهم ، وعن الإنكار ، فإن استعمل تقوى الله تعالى ، بأن كان يأمرهم بالخير ، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم ، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه ، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم ، ولهذا قال :
( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : ولكن ليذكرهم ، ويعظهم ، لعلهم يتقون الله تعالى " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 260) .
لكن ما الحكم إذا لم يستجيبوا لنصحك ؟
ففي هذه الحالة عليك مواصلة تذكيرهم كلما رأيت الفرصة مناسبة لذلك ، ولا تكثر عليهم حتى لا يملوك ، ويكرهوا كلامك .
وأكثر من الدعاء لهم بالهداية .
فإنك إن فعلت ذلك فقد أديت ما عليك ، ولا إثم عليك .
قال الله تعالى :
( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف /164 – 165 .
وإذا استمروا على حالهم تلك ، فلا تطل مجالستهم ، إلا بقدر الحاجة ، فتقضي يومك فيما ينفعك من دراسة ومذاكرة في جامعتك ومكتبتها ؛ لأن هذا هو الهدف الذي سافرت من أجله ، وتأوي إلى بيتك للراحة فقط .
وندعوك للاستفادة من النصائح المطروحة في الفتوى رقم : (47425) ، ورقم : (46876) ، ورقم : (50745) .
والله أعلم .