الحمد لله.
روى ابن ماجة (996) ، وأحمد (17141) ، وابن خزيمة في صحيحه (1558) عَنْ عِرْبَاضِ
بْنِ سَارِيَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلَاثًا وَلِلثَّانِي مَرَّةً "
وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " ، وكذا صححه محققو المسند .
قال المناوي رحمه الله :
" أي يطلب من الله الغفر ، أي الستر ، لذنوب أهل الصف الأول في الصلاة ، وهو الذي
يلي الإمام ، ويكرره (ثلاثا) من المرات ، اعتناء بشأنهم (وللثاني مرة) أي : ويستغفر
للصف الثاني مرة واحدة ، إشارة إلى أنهم دون الأول في الفضل ، وسكت عما دون ذلك من
الصفوف ، فكأنه كان لا يخصهم بالاستغفار، تأديبا لهم على تقصيرهم وتهاونهم في حيازة
فضل ذينك الصفين" انتهى من "فيض القدير" (5/ 219) .
ورواه النسائي (817) ولفظه :
" كَانَ يُصَلِّي عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا، وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدَةً
" .
قال السندي رحمه الله :
" أَي يَدْعُو لَهُم بِالرَّحْمَةِ ، ويستغفر لَهُم ثَلَاث مَرَّات ، كَمَا فعل
بالمُحَلِّقين والمُقَصِّرين .
وَالظَّاهِر أَنه دَعَا لَهُم ، أَعم من أَن يكون بِلَفْظ الصَّلَاة أَو غَيره ،
وَيحْتَمل خُصُوص لفظ الصَّلَاة أَيْضا " انتهى من " حاشية السندي على النسائي "
(2/ 93) .
يشير رحمه الله بقوله " كَمَا فعل بالمحلقين والمقصرين " إلى ما رواه مسلم (1303)
عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ: " أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ
ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً " .
ورواه البخاري (1728) ، ومسلم (1302) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: " قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟ ، قَالَ:
( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ،
وَلِلْمُقَصِّرِينَ ؟، قَالَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ) ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ الله ِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: ( وَلِلْمُقَصِّرِينَ ) ".
وهذا يدل على أن مثل ذلك من
خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، يعني أنه : ليس من السنة أن يدعو الإمام للصف الأول
ثلاث مرات ، وللصف الثاني مرة ، ولا أن يدعو الإمام في الحج للمحلقين ثلاثا ،
وللمقصرين مرة ، وإنما هو شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان فضل الصف الأول
على الثاني ، وفضل الثاني على ما يليه من الصفوف ، ولبيان فضل التحليق على التقصير
، ولحث المسلمين على فعل الأفضل .
ودعاء النبي صلى الله عليه
وسلم للمحلقين والمقصرين ليس خاصا بالصحابة ، وإنما هو دعاء شامل لجميع الأمة ، كما
ذكر ذلك ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (7/469) الشاملة ، فلا يبعد أن يقال ذلك
أيضا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للصفين الأول والثاني .
وهذا كما روى أبو داود (664)
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ) ولفظ
النسائي (811) : (على الصفوف المتقدمة) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال السندي :
"( عَلَى الصُّفُوف الْمُتَقَدِّمَة ) أَيْ عَلَى الصَّفّ الْمُتَقَدِّم فِي كُلّ
مَسْجِد ، أَوْ فِي كُلّ جَمَاعَة ، فَالْجَمْع بِاعْتِبَارِ تَعَدُّد الْمَسَاجِد
، أَوْ تَعَدُّد الْجَمَاعَات ، أَوْ الْمُرَاد الصُّفُوف الْمُتَقَدِّمَة عَلَى
الصَّفّ الْأَخِير ، فَالصَّلَاة مِنْ اللَّه تَعَالَى تَشْمَل كُلّ صَفّ عَلَى
حَسْب تَقَدُّمه ، إِلَّا الْأَخِير فَلَا حَظّ لَهُ مِنْهَا، لِفَوَاتِ
التَّقَدُّم ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم" انتهى .
فهذا الدعاء من الرسول صلى
الله عليه وسلم موافق لصلاة الله تعالى وملائكته على الصفوف المتقدمة ، فيكون الله
تعالى وملائكته ورسوله صلى الله عليه وسلم يصلون على الصف الأول والثاني .
والحاصل :
أنه لا يظهر من السنة ، أو فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والأئمة من بعده :
أن يدعو الإمام لأصحاب الصف الأول ثلاثا ، ولأصحاب الصف الثاني مرة ، لا سرا ولا
جهرا .
والله تعالى أعلم .