الحمد لله.
أولاً :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ :
( تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ) رواه البخاري (حديث رقم/60) ، ورواه مسلم (رقم/241)
وقد سبق شرح الحديث والكلام عليه في جواب السؤال رقم (128040).
ثانياً :
إسباغ الوضوء والمحافظة عليه من المهمات التي ينبغي للمسلم الاعتناء بها ، فالصلاة عمود الدين ، والوضوء شرط من شروط صحتها ، من تهاون به فقد تهاون في صلاته .
وقد روى مسلم في صحيحه (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) .
وفي رواية النسائي (2437) : ( إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ .. ) .
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة من الوعيد ما يخوف المسلم من التقصير في الوضوء :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ :
( تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ) رواه البخاري (60) ومسلم (241).
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله :
" الحديث فيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر ، وأنَّ ترك البعض منها غير مجزئ " انتهى.
" إحكام الأحكام " (ص/17) .
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة ، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود ، ومَن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (5/204) .
وهذا الذم والعقاب إنما هو فيمن علم أنه على غير وضوء ، أو أن طهارته ناقصة ، أو فرط ولم يعتن بطهارته ، ولم يتفقد ما يحتاج إلى تفقد وعناية ؛ قال ابن جُزَيّ الغرناطي رحمه الله : " ويأثم في العمد إجماعا " . القوانين الفقهية (74) .
فأما من لم يعلم بحدثه ، أو نقصان طهارته ، فهذا لا ذم عليه ولا عقاب ، وكذلك الناسي الذي يترك بعض الواجبات سهوا ولا يتذكرها بعد ذلك : فهو معذور عند الله عز وجل ، فقد استجاب سبحانه دعاء المؤمنين حين قالوا : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة/286، فقال عز وجل كما في الحديث القدسي في " صحيح مسلم " (126): ( قَدْ فَعَلتُ ) . وإن كان يجب عليه إن يعيد صلاته ، إذا علم بذلك .
َسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية :
" عَنْ رَجُلٍ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ إمَامًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا : فَهَلْ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ؟ أَمْ لَا ؟ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً: فَهَلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَهُ تَصِحُّ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ".
فَأَجَابَ رحمه الله :
" أَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ أَوْ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ حَتَّى قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَالِمٍ وَيُعِيدُ وَحْدَهُ إذَا كَانَ مُحْدِثًا . وَبِذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ صَلَّوْا بِالنَّاسِ ثُمَّ رَأَوْا الْجَنَابَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَعَادُوا وَلَمْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالْإِعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " . انتهى . "مجموع الفتاوى" (23/369) .
وأما ما ذكر في السؤال من المسح على الجوربين بداعي البرد ، أو مبررات أخرى ، فهذا أمر لا ينكر على فاعله ، ما دام قد لبس الجوربين على طهارة ، بعد غسل القدمين ، فله أن يمسح عليهما يوما وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وهذا من توسعة الله على عباده ، ولا يشترط لذلك المسح أن يكون الجو باردا ، أو أن يتعذر عليه الخلع ، أو نحو ذلك من الأعذار ؛ فالمسلم لا يحتاج مبررا لكي يترخص بتلك الرخصة ، بل أن يفعل ذلك في حال السعة ، كما له أن يفعله في حال الشغل والسفر ، لا سيما إن كان ذلك أرفق به ، وأوفق لحاله ، وأبعد له عن التكلف والمشقة .
وينظر جواب السؤال رقم (117743) .
والخلاصة : أنه كما لا يجوز للمسلم التهاون في أداء الوضوء الصحيح ، لا يجوز أن يصل به الأمر إلى حد الوسوسة ، والتوسط بين هذين الطرفين يكون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات جميعها .
وانظر في شرح ذلك في موقعنا جواب السؤال رقم : (11497) ، (102461)
والله أعلم .