الحمد لله.
قال الإمام النسائي في "السنن الكبرى" (9117) :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
( كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا ، فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ، فَاسْتَقْبَلَهَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ:
حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ؟! فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا، فَأَبَتْ إِلَّا
بُكَاءً، فَغَضبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكَهَا،
فَقَدِمَتْ ، فَأَتَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَوْمِي هَذَا لَكِ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَنْتِ أَرْضَيْتِهِ عَنِّي .
فَعَمَدَتْ عَائِشَةُ إِلَى خِمَارِهَا، وَكَانَتْ صَبَغَتْهُ بِوَرْسٍ
وَزَعْفَرَانٍ، فَنَضَحَتْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ جَاءَتْ حَتَّى قَعَدَتْ
عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا لَكِ؟) .
فَقَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيَهُ مَنْ يَشَاءُ !!
فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ، فَرَضِيَ عَنْ
صَفِيَّةَ، وَانْطَلَقَ إِلَى زَيْنَبَ. فَقَالَ لَهَا: ( إِنَّ صَفِيَّةَ قَدْ
أَعْيَا بِهَا بَعِيرُهَا، فَمَا عَلَيْكِ أَنْ تُعْطِيَهَا بَعِيرَكِ ) ؟
قَالَتْ زَيْنَبُ: أَتَعْمَدُ إِلَى بَعِيرِي فَتُعْطِيَهُ الْيَهُودِيَّةَ؟
فَهَاجَرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ،
فَلَمْ يَقْرَبْ بَيْتَهَا، وَعَطَّلَتْ زَيْنَبُ نَفْسَهَا، وَعَطَّلَتْ
بَيْتَهَا، وَعَمَدَتْ إِلَى السَّرِيرِ فَأَسْنَدَتْهُ إِلَى مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ،
وَأَيَسَتْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذَا بِوَجْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَدْ دَخَلَ الْبَيْتَ ، فَوَضَعَ السَّرِيرَ مَوْضِعَهُ .
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: يَا رَسُولَ اللهِ جَارِيَتِي فُلَانَةُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ
حَيْضَتِهَا الْيَوْمَ، هِيَ لَكَ؟
فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ
عَنْهَا .
وكذا رواه الضياء في "المختارة" (1727) من طريق النسائي به .
وهذا إسناد جيد متصل :
ثابت البناني: ثقة مشهور حافظ ، من رجال الستة ، ومن أصحاب أنس رضي الله عنه.
انظر : "التهذيب" (2/3).
وسليمان بن المغيرة : ثقة حافظ ، من رجال الستة أيضا.
انظر : "التهذيب" (4/193).
وآدم ، هو ابن أبي إياس ، ثقة مأمون .
انظر : "الجرح والتعديل" (2/268)
ومحمد بن خلف ، هو أبو نصر العسقلاني ، قال أبو حاتم : صدوق، وقال النسائي: صالح.
وقال ابن أبي عاصم : ثقة .
"تهذيب الكمال" (25 /161).
فالحديث ثابت .
و"الْوَجْس" : الصَّوتُ الخَفيُّ " ، كما في "النهاية في غريب الحديث" لابن
الأثير(5/156) .
وفيه : حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته ، مع العدل التام ، وحسن
التأديب ، وكمال رحمته وشفقته عليهن ، فيرجع عن الغضب إلى الرضا ، وعن الإعراض إلى
الإقبال ، بعد التعليم والتأديب ، فيجمع بين كمال الأدب وحسن الخلق وطيب العشرة.
وفيه أيضا : ما كان عليه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من المحبة له ، والغيرة
عليه ، وبيان أن ما كان يحدث بينهن من الغيرة والمنافسة لا يقدح فيهن بوجه - حاشا
وكلا - ومن كانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كيف لا تغار عليه ؟!
والله تعالى أعلم .