الحمد لله.
ثانيا :
دية إذهاب العين الواحدة ، أو إذهاب بصرها : هو نصف الدية ؛ وهو خمسون من الإبل .
ففي الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في شأن الديات : (
... وفي العين خمسون – أي من الإبل - ) رواه مالك في " الموطأ " (5 / 1243) ، ونقل
ابن حجر رحمه الله تعالى تصحيحه عن عدد من أهل العلم " التلخيص الحبير " (4 / 36) ،
وحسنه الألباني في " ارواء الغليل " (7 / 314) .
وقد اتفق أهل العلم على هذا الحكم .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في العينين الدية ).
وأجمع أهل العلم على أن العينين إذا أصيبتا خطأ : فيهما الدية ، وفي العين الواحدة
: نصف الدية " انتهى . " الإشراف " (7 / 409) .
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" أجمع أهل العلم على أن في العينين ، إذا أصيبتا خطأ ، الدية ، وفي العين الواحدة
نصفها ...
وفي ذهاب البصر الدية ؛ لأن كل عضوين وجبت الدية بذهابهما ، وجبت بإذهاب نفعهما ،
كاليدين إذا أشلهما . وفي ذهاب بصر أحدهما نصف الدية ، كما لو أشل يدا واحدة ، وليس
في إذهابهما بنفعها أكثر من دية ، كاليدين ) انتهى . " المغني " (12 / 106 - 107).
ثانيا :
مقدار دية العين الواحدة : هي نصف الدية ، وهو خمسون من الإبل ، وتقديرها بالذهب ،
عند من يتعاملون بالذهب : ألف دينار.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" فروينا عن عمر بن الخطاب ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ،
وأبي ثور ، وأصحاب الرأي أنهم قالوا: على أهل الذهب ألف دينار...
ولم يختلف الذين ألزموا أهل الذهب الذهبَ ، أن الدية من الذهب ألف دينار " انتهى من
" الإشراف " (7 / 388 – 389) .
ووزن الدينار الواحد : 4.25 جراما .
فـ " الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال .
والدينار هو : المثقال من الذهب .
ومقدار الدينار بالاتفاق : 4.25 جراما " انتهى . من كتاب " المكاييل والموازين
الشرعية " (ص 19) .
وبناء على هذا فالدية بالذهب هي (4250 جراما) .
ونصفها هو : (2125جراما) وهو مقدار دية العين الواحدة .
ثالثا :
الجناية إذا كانت على سبيل الخطأ ، كما هي مسألتنا ، وكانت الواجب فيها أكثر من ثلث
الدية؛ فإنها تجب على العاقلة بالاتفاق .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (21 / 90) :
" الأصل أن الدية إذا كان موجبها الفعل الخطأ ، أو شبه العمد ، ولم تكن أقل من
الثلث : تتحملها العاقلة " انتهى .
والعاقلة هم أقرباء الجاني الذكور من جهة الأب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
"وعاقلة الرجل : قراباته من قبل الأب ، وهم عصبته .
وتَحَمُّل العاقلة الديةَ : ثابت بالسنة ، وأجمع أهل العلم على ذلك ...
وعاقلة الرجل : عشيرته ، فيبدأ بفخذه الأدنى ، فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب إليهم ،
وهي على الرجال الأحرار البالغين أولي اليسار منهم " انتهى . " فتح الباري " (12 /
246) .
وتدفعها العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الخطأ على العاقلة ...
ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين ؛ فإن عمر وعليا رضي الله عنهما ، جعلا
دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين . ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا ، واتبعهم
على ذلك أهل العلم .
ولأنه مال يجب على سبيل المواساة ، فلم يجب حالا ، كالزكاة .
وكل دية تحملها العاقلة ، تجب مؤجلة ؛ لما ذكرنا " انتهى من "المغني" (12 / 21 -
22) .
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" عن صبي دون البلوغ ، جنى جناية يجب عليه فيها دية : مثل أن يكسر سنا ، أو يفقأ
عينا ، ونحو ذلك ؛ خطأ: فهل لأولياء ذلك أن يأخذوا دية الجناية من أبي الصبي وحده
إن كان موسرا ؟ أم يطلبوها من عم الصبي أو ابن عمه ؟
فأجاب:
، أما إذا فعل ذلك خطأ : فديته على عاقلته ، بلا ريب ؛ كالبالغ وأولى ...
وأما " العاقلة " التي تحمل: فهم عصبته: كالعم وبنيه ، والإخوة وبنيهم باتفاق
العلماء.
وأما أبو الرجل وابنه : فهو من عاقلته أيضا ، عند الجمهور ، كأبي حنيفة ومالك وأحمد
في أظهر الروايتين عنه .
وفي الرواية الأخرى ، وهو قول الشافعي : أبوه وابنه ليسا من العاقلة.
والذي " تحمله العاقلة " بالاتفاق : ما كان فوق ثلث الدية ؛ مثل قلع العين ، فإنه
يجب فيه نصف الدية " انتهى من " مجموع الفتاوى " (34 / 158 – 159) .
رابعا :
ما دفع من مبالغ للعلاج لا تغني عن الدية لكن تخصم منها ، لأن الجناية إذا كانت لها
دية مقدرة في الشرع ، فإنه لا يلزم الجاني إلا الدية فقط ، ولا تلزمه نفقات علاج
المجني عليه ، وهو قول جمهور العلماء ، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة ، وبه أفتى
الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله .
انظر : مجلة البحوث الإسلامية (70/289) .
وإذا كانت المبالغ المالية المتبقية ترهق العاقلة ، فيمكن أن يتصالحوا مع ولي
الطفل المجني عليه على تجزئتها على سنوات عدة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ) رواه أبوداود (3594) ،
وحسنه الألباني في " ارواء الغليل " (5 / 251) .
والله أعلم .