الحمد لله.
أولا :
إذا كان هذا الموظف مسئولا عن منح الأراضي ، فما يأخذه من طالبي المنح يدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة .
وإذا لم يكن مسئولا عن ذلك ، وغلب على الظن أنه لا يدفع رشوة ، ولا يظلم أحدا، وإنما يسعى لتسجيل اسمك ، فلا حرج في ذلك ، وما يأخذه يدخل فيما يسميه العلماء بـ "ثمن الجاه"، وهو محل خلاف بين الفقهاء ، فذهب بعضهم إلى جوازه ، كما يفهم من كلام الشافعية والحنابلة ، وذهب آخرون إلى منعه ، أو كراهته ، أو التفصيل في حكمه ، وهي أقوال في مذهب المالكية .
وينظر: سؤال رقم : (129839) .
والذي يظهر هو التفصيل ، فلا يجوز أخذ المال على مجرد الشفاعة وبذل الجاه ، وإنما يؤخذ المال في مقابل العمل والجهد والسفر ونحوه إن وجد ؛ لما روى أبو داود (3541) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ) والحديث حسنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عليش المالكي : " وفي المعيار سئل القوري عن ثمن الجاه فأجاب بما نصه : اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه ، فَمِنْ قائلٍ بالتحريم بإطلاق , ومِنْ قائلٍ بالكراهة بإطلاق , ومِنْ مُفّصِّلٍ فيه ، وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعبٍ وسفر ، فأخذ مثل أجر نفقة مثله : فجائز ، وإلا : حرم . ا هـ . وهذا التفصيل هو الحق " انتهى من "منح الجليل" (5/404).
فإن غلب على الظن أنه يبذل الرشوة للمسئول، لم يجز الاستعانة به ، ولا إعطاؤه شيئا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم : (لعن الراشي والمرتشي ) رواه أبو داود (3580) ، وأحمد (6791) وزاد : (والرائش) وهو الوسيط بينهما . وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (2621).
وفي تحريم هدايا العمال: روى البخاري (7174) ، ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ : هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ : أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ، ثَلاثًا ) .
والرغاء : صوت البعير ، والخُوار : صوت البقرة ، واليُعار : صوت الشاة .
وروى أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هدايا العمال غلول ) أي خيانة . والحديث صححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم : (7021) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/ 568) ما نصه : " أنا صاحب شركة بناء ، ولي صديق مدير في مؤسسة طباعة الكتب والكراريس المدرسية ، وبحكم علاقته مع مسئولين في وزارة التعليم والمعارف ، يستطيع الحصول على مشاريع في البناء لصالح الوزارة ، وبحكم علاقتي به : فإنه يعرض عليّ العملَ في شكل عقد مضاربة أو قراض ، فمنه المشروع وعليّ العمل ، إلا أن الإشكال في المسألة أن صاحبي لا يتحصل على المشروع إلا إذا دفع شيئا من المال حتى يكون المشروع من نصيبه ، علما أنه لا ينافسه في أخذ المشروع أحد ، ومن جهتي أنا كصاحب شركة إذا لم أتعامل معه أو مع غيره بهذه الطريقة فإن أعمالي وأشغالي ستتعطل . أفتوني في هذه المسألة جزاكم الله كل خير ؟
الجواب : " ما يعمله هذا الشخص الذي ذكرته هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والملعون من فعلها أو أعان عليها ، فعليك بمناصحته ليترك هذا العمل ، ولا يجوز لك قبول المقاولة على ما يحصل عليه من أعمال في مقابل هذه الرشوة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، وأكل المال بالباطل" انتهى .
الشيخ بكر أبو زيد ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
وجاء فيها (23/554) أيضا : (لي معاملة مرتبطة بالمحكمة الشرعية ، فأعطيت واحدا مبلغا من الفلوس لينتجها لي كصك شرعي مثلا ، والأرض لي ليس لي منافس فيها ، فهل أدخل في الرشوة ، وهل علي لو فعلت مثل هذا ؟
ج1 : إذا كان ما قام به من إجراء لإخراج صك لك بالأرض ليس من طبيعة عمله الواجب عليه بحكم وظيفته ، فليس ما دفعته له من المال رشوة ، وإذا كان مما يجب عليه القيام به بحكم وظيفته فلا يجوز ) انتهى.
وينظر: سؤال رقم : (107750) .
ثانيا:
إذا كانت معاملتك من الرشوة المحرمة – بحسب التفصيل السابق- فالواجب عليكم التوبة إلى الله تعالى، وعدم العود لمثل ذلك، ولا حرج عليك من الانتفاع بالأرض، إذا كانت تنطبق عليك شروط منحها.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (23/561): (في عام 1397 ه تقريبا أو قريبا منه قمت بدفع مبلغ ثلاثة آلاف ريال (3000) لأحد الجماعة ؛ ليستخرج لي أرض منحة ، وليست بيعا ، من بلدية القرية التي أسكن فيها ، علما بأنه أبان لي أن رئيس البلدية لا يخرجها إلا بهذا المبلغ ، ولا أدري آنذاك ما معنى هذا ، هل هو رشوة أم بيع ، وأكثر الظن مني آنذاك أنها رشوة ، والذي حدث أنني قمت بإعطائه ذلك المبلغ ، وحصلت الأرض بعد فترة ، ورهنتها في صندوق التنمية العقاري ، وأنشأت بها عمارة موجودة حتى الآن ، علما بأن الاستمارة التي خرجت من البلدية بهذه الأرض بعنوان منحة ، وليست بيعا ، أود من سماحتكم توضيح ما يجب علي لأكون بريئا ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم .
الجواب : الذي يظهر أن ما فعلت هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والواجب عليك التوبة إلى الله من ذلك وعدم العودة لمثل ذلك ، ومناصحة هذا المسئول إن استطعت ، فإن لم يمتثل فعليك أن تبلغ عنه من يأخذ على يده ، ويمنعه من هذا الفعل المحرم والكسب الخبيث ، وتعطيل مصالح الناس ، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش" انتهى .
الشيخ بكر أبو زيد ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
ثالثا:
لا يجوز لك إعطاء قيمة نصف الأرض لهذا الشخص في حال كونها رشوة؛ لأن بذلها محرم، والوفاء بها لا يجب؛ لكونها معصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) رواه مسلم (1641).
وإذا كان هذا في النذر المؤكد، فعدم الوفاء بالمعصية في غير نذر أولى.
والله أعلم.