الحمد لله.
فليس من الحرام العمل في البنوك الإسلامية، وهي
كثيرة اليوم ، والحمد لله ، لا سيما في بلدك . (95316)
وليس من الحرام دراسة الفتاة للطب وتعلمه، بل هو مطلوب ومندوب، وذلك متاح اليوم
والحمد لله بعيدا عن الاختلاط، لا سيما ـ أيضا ـ في بلدك !!
وإن لم يتيسر فمن درسته في الجامعة المختلطة محتسبة أجرها، مع محافظتها على لباسها
وأخلاقها ، وغلب على ظنها السلامة من فتن الاختلاط والتبرج : فلا حرج عليها. يُنظر:
(169979)، (220069).
وليس من الحرام العمل في تصميم الأعراس التي تستعمل الدفوف ونحوها، ما دامت غير
مختلطة، ويغلب على ظنك السلامة من المأثم ، والإعانة عليه : فلا إثم ولا حرج.
وليس من الحرام الاشتغال برسم الطبيعة والألوان والرموز، وهو الفن الأرقى والأوسع
انتشارا، بعيدا عن ذوات الأرواح. (70497)
وأخيرا : ليس من الحرام أن تعملي في القطاع الخيري التطوعي، في الإحسان إلى الضعفاء، وحمل الصدقات إلى مستحقيها، والمشاركة في كل أعمال الخير المجتمعية التي تقوم بها الجهات المختصة ، ولا شك أن النساء المحتاجات ، والعاجزات في كل مجتمع : أضعاف ما فيه من الرجال العجزة والمحتاجين ؛ فاجعلي برك وصلتك ، وإغاثتك لهؤلاء النسوة ، فيما تريدين مباشرته بنفسك من الإعانة والإغاثة .
وأمام المرأة العديد من مجالات الدعوة إلى الله
والعمل الخيري الموافق لطبيعتها ، والموافق لأحكام الشريعة الأسلامية التي شرعها
الله لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع .
فأمامها مجال الدعوة مفتوح مع بنات جنسها ، فإذا أرادت ما هو أعم فأمامها تأليف
الكتب وكتابة المقالات والتعليقات المفيدة ، وذلك متيسر الأن عبر الصحف والمواقع
لكل من أراد ذلك.
ولكن ... لماذا تصر بعض النساء على اقتحام مجالات الرجال ، فتريد دعوة الرجال
بالصوت والصورة ! فتسجل مقاطع الفيديو التي يراها الرجال ، وما هي المصلحة المرجوة
من ذلك ؟
وهل اكتفت النساء من الدعوة حتى توجه دعوتها للرجال ؟
فلو أنها شغلت نفسها بالمشروع في حقها ، والمتاح لها : لم تجد وقتا تنفقه في غير
المشروع .
وانظري للفائدة السؤال رقم (148014) .
وهكذا، نَصْدُقك القول بأننا لا نقرأ سؤالك إلا أنه مبالغة كبيرة في تصوير المحرمات
، وكأنها تملأ الدنيا، ولم يبق لنا سوى أن نعيش في كهوف سحيقة ، في جبال بعيدة!
ليس هذا هو حالنا والحمد لله، فشريعتنا شريعة السعة والرحمة واليسر، يكفي أن الأصل
فيها هو الإباحة ، باتفاق الفقهاء، وأن الحرام هو الطارئ العارض.
وما مَثَلُك في سؤالك إلا كَمَثَلِ رجل عُرضت عليه مئات الأصناف من أطايب الطعام
والشراب، مما لذ وطاب ، وحل أكله وتناوله، إلا طبقا واحدا فيه لحم خنزير مثلا، فلما
رأى من حوله من الناس يتناولون منه بحكم ديانتهم، أخذت الحسرة في نفسه مأخذها،
وتمنى أن لو كان هذا الطبق مباحا له أيضا، ودخل عليه من الضيق بسبب ذلك الشيء
الكثير!
والحقيقة أن الأعمال المباحة ، أكثر بكثير من الأطعمة المباحة، فالأعمال وأمور
الحياة لا حصر لها ولا نهاية، وما يستجد منها أعظم وأكثر أيضا، وما يمكن للعقل
البشري أن يبتكره ويبدع فيه، ويتفانى في الإخلاص له أرقى وأعلى.
وأما الجهاد : فهو شريعة خاصة بالرجال ، في أصل أمره .
ولكن هناك الكثير من الأعمال الصالحة يمكن للمرأة المسلمة أن تقوم بها ، مثل الحج
والعمرة ، مثلا ؛ فهذا جهاد النساء ، لا قتال فيه ، كما وصفه بذلك النبي صلى الله
عليه وسلم . .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (45618) ورقم (163393)
وهكذا تبدو لنا شكايتك بعيدة عن الإنصاف
والموضوعية.
ولو تأملت كم من نساء غيرك سلكن باب العمل والنجاح، وقطعن فيه شوطا كبيرا لا يتمكن
الرجال من بلوغه!
فقطاعات التعليم والصحة والاجتماع والخدمات والبحث والتدريب والتطوير والحوسبة
والبرمجة ، وما يخص النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها الكثير، كلها
يمكن للمرأة الخوض فيها في المحيط النسائي، وما تضطر إليه من التواصل مع الرجال
المختصين بالعمل : لا بأس به ، ما دام في حدود المعروف، وبالقدر المضطر إليه.
وقد سبقت لدينا العديد من الفتاوى التي تبين شيئا من ذلك، ينظر: (60221)،
(72861)، (200620)، (177015)
وفوق ذلك كله، فنحن المسلمين حين أعلنا التزامنا
المطلق بالشهادتين، فقد أعلنا معها بالضرورة عبوديتنا المطلقة لله سبحانه، وأننا
تحت الأمر الكوني والشرعي، لا نُقيل ولا نَستقيل، ولهذا فنحن على استعداد دائم لنشر
الخير والعمل الصالح ، مهما كانت التضحيات، وسنظل نتحرك في محطات الإصلاح، ونفتح
آفاق النجاح، وإن حاول بعض من حولنا إيهامنا بعزلتنا، أو اجتهدوا في محاصرة جهودنا،
ودورنا مواجهة الصراع بين تأثيرنا بالإصلاح، وتأثرنا بالفساد، فلا نترك الإصلاح
والعمل المباح ، لأجل من يحاولون إفساده علينا ببعض محرماتهم الطارئة التي نتمكن من
مواجهتها، بحول الله وطوله ، وفضله وإنعامه علينا ، ولا نشارك في الفساد والمحرمات
فنتأثر بها ونفقد رأس مالنا.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى
اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا
يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا
تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ
وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم (2664)
وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ
عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ
عَلَى أَذَاهُمْ) رواه أحمد في "المسند" (9/ 64)، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري"
(10/528).
ونصيحتنا لك أن لا تتسرعي بالحكم بالتحريم على
شيء من الأعمال حتى تتواصلي مع أحد العلماء الثقات، فتشرحي له الأمر وما تخططين له
من تأثير ونجاح، وتستمعي لبيانه وحجته وما ينصحك به.
والله أعلم.