الحمد لله.
لكن يجب أن يتقيد الإخبار عن فسوقه هذا بأمرين :
الأمر الأول : أن لا يخرج الكلام عن المسألة التي فسق بها ، إلى حد السخرية بخلقته
أو شيء من هذا كما هو حاصل بين فئات من الطلاب حيث يتجاوزون إلى الفحش في الكلام .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا
الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1 / 634) .
الأمر الثاني : أن لا يخرج الكلام عنه عن حد الاعتدال والحاجة ، إلى حد الإسراف
وتضييع الأوقات ، وكثرة القيل والقال فيصبح بهذه الصفة منهيا عنه .
عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ
البَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ
السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ) رواه البخاري (2408) ، ومسلم (593) .
ثانيا :
وأما إن كان تقصير المدرس يقع منه عن غير تعمد وإصرار ، كما لو كان لا يحسن غير
الطريقة التي يشرح بها ، أو كان ظلمه للطلبة وتعاليه عليهم ليس سلوكا عاما له ،
وإنما تقع منه مثل هذه الهفوات المرة بعد المرة ، فمثل هذا ينبغي نصحه – إن أمكن –
ولا تجوز غيبته إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة ، كتحذير طالب يريد الاكتفاء بدروس هذا
المدرس أو يريد منه أن يكون مشرفا على بحث يقوم به .. ونحو ذلك .
أما إذا لم يكن هناك مصلحة مترتبة على غيبته ، وإنما هي تنفيس غيظ ، وتقضية وقت ،
وشغل مجالس ، كما هو الغالب الأعم فيما نعرفه من مثل هذه الأحوال ، فالواجب حفظ
اللسان عن الوقوع في غيبة مثل هذا ، والإعراض عن لغو القول ، وما لا فائدة فيه .
ومما يستدل به على هذا : حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لما خطبها مُعَاوِيَةُ
بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَبو جَهْمٍ ، فَقَالَ لها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَبُو جَهْمٍ ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ
، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ
زَيْدٍ ) رواه مسلم (1480) .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
" قوله ( أما معاوية فصلعوك لا مال له وأما أبو جهم فلايضع عصاه عن عاتقه ) : ففيه
دليل على أن قول المرء في غيره ما فيه ، إذا سئل عنه عند الخطبة : جائز ، وأن إظهار
ما هو عليه من عيب فيه : صواب لا بأس به ، وليس من باب الغيبة في شيء ...
والذي عليه مدار هذا المعنى : أن من استشير لزمه القول بالحق ، وأداء النصيحة ،
وليس ذلك من باب الغيبة ، لأنه لم يقصد بذلك إلى لمزه ، ولا إلى شفاء غيظ ، ولا أذى
، ويكون حديث الغيبة مرتبا على هذا المعنى " انتهى . " التمهيد " (19 / 159 – 160)
.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" قال العلماء تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا ، حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه
" انتهى من " فتح الباري " (10 / 472) .
فالغيبة إنما تجوز إذا كانت على وجه النصيحة ، أو طلب مصلحة شرعية راجحة .
ويجب على المتكلم في هذه الحالة : أن يحسن نيته ، فيكون قصده النصيحة ، وتحصيل
المصلحة ، وليس الإساءة إلى من يتكلم في حقه ، أو الانتقام منه ونحو ذلك من المقاصد
التي لا تبيح له الغيبة ، بل ربما تزيدها قبحا وإثما.
والله أعلم .