الحمد لله.
وقد تقابل الأخت المسلمة بعض
الإشكالات حينما يتقدم إليها من يخطبها ليتزوجها ، فترى أنها بصدد أمر عظيم قد يحول
بينها وبين طلب العلم ، أو يؤثر عليه تأثيرا واضحا ، فبعد أن كانت متفرغة لطلب
العلم والدرس ، أتاها ما يشغلها بالكلية .
وكذلك طالب العلم ، يرى أنه إذا شرع في مشروع الزواج أنه سيؤثر على طلبه للعلم
تأثيرا كبيرا .
ونوجز هاهنا النصح له ولها
بهذا الخصوص فنقول :
- لا شك أن الإنسان يتعلم ليعمل بما يعلم ، وأن العمل ثمرة العلم ، وعلم بلا عمل ،
شجر بلا ثمر ، ومن الفقه والعلم أن يقبل الإنسان على الزواج ويسعى في تحقيقه ، ولا
يتأخر في ذلك ، فإن الزواج سنة المرسلين .
- والعاقل يجمع بين الحسنيين بغير إفراط ولا تفريط في أيهما ، ويوازن الأمور ،
ويجعل لكل أمر ما يخصه ، ويقدم خير الخيرين ، ويدفع شر الشرين ، ويحصّل أعظم
المصلحتين بتفويت أدناهما ، ويدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما ، ويترك بعض
الخير لتحصيل معظمه ، ويحتمل بعض الشر لدفع أكثره ، ونحو ذلك من الموازنات التي تنمّ
عن العقل وحسن تدبير الأمور .
فلا يقول : لا أتزوج لأن الزواج يمنعني من طلب العلم ، ولا يقول : أنشغل بالزواج
وأترك العلم ، ولكن : يتزوج ، وينشغل بالعلم ، ويستعين بالله في تحصيل كل منهما
باعتدال، لا إفراط فيه ولا تفريط .
- ولا شك أن الزواج يحتاج إلى الكثير من المال والجهد والوقت ، وكذلك طلب العلم ،
والمسلم والمسلمة يقسمان ذلك على الأمرين ، قسمة لا تخل بأحدهما ، فلا يذهب المال
والوقت والجهد كله في أمر الزواج وتكاليفه وتجهيزه ، ولا في أمر طلب العلم والحرص
عليه ، ولكن يكون ذلك بالوسطية والاعتدال .
فيحرص المسلم - وكذا المسلمة - على دروس العلم والمذاكرة والتحصيل والمراجعة ، ولكن
بنصيب أقل من ذي قبل ، ليتمكن من الإعداد للزواج والتجهيز له .
ولا يذهب ماله كله في شراء الكتب ، وتكميل المكتبة بما ينقصها من المصنفات ، ولكن
يقتصر على شراء أهم المراجع والمصنفات ، وما لا بد منه ، ويدخر من المال ما يقدر به
على إتمام مهام الزواج وأعبائه .
وكذلك بالنسبة للمرأة ، لا يكون جل همها شراء كافة الأجهزة والاحتياجات المنزلية من
الضروريات والكماليات ، وتنشغل بالتحسينيات ، ولكن تهتم بالأهم فالأهم ، وتقتصر على
ما لا بد منه ، ولا تلح فيما يمكن الاستغناء عنه ولو إلى أمد ، ولا تشغل كل أوقاتها
في الخروج للأسواق وشراء الحاجيات .
- وبعد الزواج توطن الزوجة نفسها على طاعة زوجها في المعروف ، وتقر في بيتها ، ولا
تلح في الخروج المستمر بحجة حضور الدروس والندوات ، ولكن تقتصر على بعض ذلك ،
وتتدارك ما يفوتها ، أو بعضه ، بالاستماع إليه عبر الوسائط الحديثة ، كالكمبيوتر
وجهاز التسجيل ونحو ذلك .
وليكن شغلها الشاغل طاعة زوجها ، والتجمل له ، وحسن معاشرته ، ونصحه وتذكيره .
وقد روى الإمام أحمد (1664) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا صَلَّتْ
الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ
زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (660) .
وليحرص الزوج على أن يعين زوجته على تحصيل ما تحتاجه من العلم الشرعي ، فيشتري لها ما لا بد لها منه ، من الكتب الشرعية ، ويحضِر لها الدروس العلمية المسجلة ، ويحثها على المذاكرة والاستماع إلى هذه الدروس ، ويناقشها فيها ، وينظم لها الوقت للمذاكرة ، ويحثها على ذلك ، ولا يشغل عامة وقتها بطلب تجهيز الطعام وترتيب أثاث البيت ونحو ذلك .