الحمد لله.
نسأل الله سبحانه أن يلطف بك فيما نزل بك من بلاء ، وأن يخلف عليك فيما خسرته من
مال ؛ إنه سبحانه غني كريم .
معلوم أنه إذا ظهر بالمرأة عيب منفِّر كان بها قبل الزواج ، وأخفته عن زوجها ، ولم
يرض به الزوج بعد النكاح ، فإن ذلك يبيح للزوج فسخ النكاح ، كما سبق بيانه في
الفتوى رقم : (228758).
وإذا كان الفسخ بعد الدخول : فلها المهر، ويرجع الزوج على وليها ويطالبه بالمهر ،
إذا كان الولي عالما بذلك العيب .
وقد قرر ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (10/62- 65) بعد أن ذكر أن الزوج له أن
يفسخ النكاح إذا وجد عيبا في زوجته ذكر :
أَنَّ الْفَسْخَ إذَا وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ ....
وأَنَّ الْفَسْخَ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا الْمَهْرُ ....
وأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ .
قال :
" وهو مذهب أحمد وَمَالِك ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيمِ .
لمَا رَوَى مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : (أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ
بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ ، فَمَسَّهَا ، فَلَهَا صَدَاقُهَا ،
وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا)
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
عَلِمَ ، فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ
الصَّدَاقِ" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (12/229- 230) :
"فالتغرير إما إن يكون من الزوجة، بأن يكون بها عيب قد أخفته عن وليها، والولي عقد
، ودخل الزوج ووجد العيب ، فالغار الزوجة ، ووليها ليس عليه شيء؛ لأنه لم يعلم.
وإذا كان الولي عالماً ، وهي عالمة أيضاً، فعلى من يكون الضمان؟
إما عليهما بالتساوي، وإما على الولي ؛ لأن الغرور المباشر إنما حصل من الولي ؛
لأنه ليس من العادة أن المرأة تخرج إلى الزوج ، وتقول: إن فيها العيب الفلاني.
فالمسألة فيها احتمالان:
الأول: أن يكون بين الولي والمرأة؛ لأن كل واحد منهما حصل منه تغرير.
الثاني: أن يكون على الولي؛ لأنه هو المباشر للعقد، وكان عليه إذا علم أن في موليته
عيباً أن يبينه، فالولي قال: زوّجتك، والزوج قال: قبلت .
وهذا هو الأرجح : أن يكون الضمان فيما إذا حصل التغرير من المرأة ووليها : على
الولي".
ثم قال :
"فالأقسام أربعة:
إما أن يكون الغرور من المرأة وحدها، أو من الولي وحده، أو منهما، أو ليس من واحد
منهما.
فإذا لم يكن من أحدهما : فلا يرد له المهر؛ لأنه لم يخدع، وقد استحل الفرج بعقد
صحيح.
وإذا كان منها وحدها دون وليها : فالضمان عليها وحدها.
وإذا كان من وليها لا منها : فالضمان على الولي.
وإذا كان منها ومن وليها، فالراجح أن الضمان على الولي" انتهى .
وعلى هذا ، فما قاله لك
القاضي صحيح ، فلك أن ترفع دعوى ضد ولي المرأة تطالبه فيها أن يرد إليك المهر ،
وليس في هذا ظلم للفتاة ولا لأبيها ، لأنك تطالب بحقك .
وإن أردت أن تصبر وتحتسب
راضية بذلك نفسك فهو خير وأفضل ، قال تعالى : ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 ، وقال سبحانه : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 22 .
وقال الله تعالى بعد أن ذكر بعض أحكام الطلاق والمهر : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ) البقرة /237 .
والله أعلم.