الحمد لله.
قال الشاطبي رحمه الله في بيان البدعة الإضافية: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة
في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه
...
ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد،
واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في
الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/
37).
ثالثا:
التشبه بالكفار مذموم ممنوع ، وفيه من الوعيد الشديد قوله صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني
في" صحيح سنن أبي داود ".
وهذا العيد لم يعرف إلا من الأمم الكافرة، ولم يؤخذ إلا منها، بل إن أول ظهوره في
الدول العربية كان اقتراحا من أحد الصحفيين ، شفعه بأن الأمم المتحضرة تفعله!
فينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ)، فالاحتفال به اتباع لسَنن غيرنا من الأمم.
وقد " نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ كَانَ فِيهَا
وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ : (
هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْفِ بِنَذْرِكَ ، فَإِنَّهُ لَا
وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ
) " رواه أبو داود (3313) وصححه الألباني.
وفي هذا دلالة واضحة على لزوم تحري مخالفة أعياد الجاهلية، لاسيما وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ : مُلْحِدٌ فِي
الْحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبُ
دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) رواه البخاري (6882).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن
الجاهلية ، دخل في هذا الحديث .
والسنة الجاهلية : كل عادة كانوا عليها؛ فإن السنة هي العادة ، وهي الطريق التي
تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة ، فمن عمل بشيء من
سننهم فقد اتبع سنة جاهلية" انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص76) .
والتشبه بالكافرين محرم ، ولو لم يقصد الفاعل التشبه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " التشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه ، وهو نادر
.
ومن تبع غيره في فعل ، لغرض له في ذلك ، إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون
هذا تشبها نظر، لكن قد يُنهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ، ولما فيه من
المخالفة ، كما أمر بصبغ اللحى، وإحفاء الشوارب .
مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: (غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود) دليل على أن
التشبه بهم يحصل ، بغير قصد منا، ولا فعل ، بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا
أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية" انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص83) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وليُعلم أن التشبه لا يكون بالقصد ، وإنما يكون بالصورة
؛ بمعنى أن الإنسان إذا فعل فعلاً يختص بالكفار ، وهو من ميزاتهم وخصائصهم ؛ فإنه
يكون متشبهاً بهم ، سواء قصد بذلك التشبه أم لم يقصده .
وكثير من الناس يظن أن التشبه لا يكون تشبهاً إلا بالنية ، وهذا غلط؛ لأن المقصود
هو الظاهر" انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".
رابعا:
قد نص جمع من أهل العلم على أن هذا الاحتفال بدعة محدثة ، وتشبه بالكافرين .
وينظر كلامهم في جواب السؤال رقم : (10070) ، ورقم : (59905) .