يعاني من كثرة الضحك في الصلاة
أنا رجل أعاني منذ فترة طويلة من مشكلة الضحك أثناء الصلاة ، فبمجرد أن أدخل في الصلاة، تأتيني ذكريات وأفكار بالرغم أني أفعل ما بوسعي لكي أخشع ، ولهذا أنا أعيد كل صلاة العديد والعديد من المرات ، وهذا يرهقني ، ويتعبني كثيرا ، أنا أؤكد لكم أن ما أعاني منه ليس بوسوسة ولا بمجرد إبتسامة فأنا أضحك فعلا ، هل من الممكن أن أواصل صلاتي ولا أقطعها رغم الضحك كحكم السلس مثلا ؟
فإني حاولت بكل جهدي أن لا أضحك لكن دون جدوى رغم خشوعي ، وأنا مرهق من إعادة كل صلاة عدة المرات ، أرجو منكم مساعدتي مع الشكر الجزيل .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
الضحك يبطل الصلاة إن كان بصوت ، وبان منه حرفان .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإن ضحك فبان حرفان : فسدت صلاته ، وكذلك إن قهقه ولم
يكن حرفان ، وبهذا قال جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة والنخعي
والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ، ولا نعلم فيه مخالفا.
قال ابن المنذر : أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة ، وأكثر أهل العلم على أن التبسم
لا يفسدها" انتهى من المغني (1/741).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا ضحك بصوت فإنه كالكلام ، بل أشد منه
لمنافاتها للصلاة تماما؛ لأنها أقرب إلى الهزل من الكلام، فإذا قهقه إنسان وهو يصلي
بطلت صلاته؛ لأن ذلك يشبه اللعب، فإن تبسم بدون قهقهة فإنها لا تبطل الصلاة ؛ لأنه
لم يظهر له صوت" .
انتهى من " الشرح الممتع " (3/366).
ثانيا:
من كان ضحكه غلبةً ، بحيث لا يقدر على رد الضحك ، فهو معذور لا تبطل صلاته.
ومن ابتلي بكثرة الضحك فله حكم صاحب الحدث الدائم عند بعض الفقهاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وإن قهقه مغلوبا على أمره ؛ فإن بعض الناس إذا
سمع ما يعجبه لم يملك نفسه من القهقهة ، فقهقه بغير اختياره : فإن صلاته ـ على
القول الراجح ـ لا تبطل، كما لو سقط عليه شيء فقال بغير إرادة منه : أح فإن صلاته
لا تبطل أيضا؛ لأنه لم يتعمد المفسد" انتهى من " الشرح الممتع " (3/366).
وقال النفراوي المالكي رحمه الله : " يظهر صحة [صلاة] من به سلس القهقهة كلما دخل
في الصلاة ، ولا يستطيع تركها بوجه ، كما قالوه في معتاد سلس الحدث كلما توضأ" .
انتهى من " الفواكه الدواني " (2/566).
وذكر الشافعية مثل هذا فيمن استمر معه السعال المفسد للصلاة ، أي الذي يبين منه
حرفان.
قال في " نهاية المحتاج " (3/39): " فإن كثر في التنحنح ونحوه للغلبة وظهر به حرفان
فأكثر وكثر عرفا بطلت صلاته ، كما قالاه في الضحك والسعال ، والباقي في معناهما ؛
لقطع ذلك نظم الصلاة .
وهذا محمول على حالة لم يصر ذلك في حقه مرضا مزمنا ؛ فإن صار كذلك ، بحيث لم يخل
زمن من الوقت يسع الصلاة ، بلا نحو سعال مبطل : لم تبطل ؛ كسلس الحدث , ولا إعادة
عليه حينئذ ، ولو شفي بعد ذلك , ويحمل عليه كلام الإسنوي " انتهى.
وعليه : فإن كان الضحك خارجا عن إرادتك ، فإنه لا يبطل الصلاة ، وإن استمر بحيث كان
يعتريك طول الوقت، فإنك تصلي ولا شيء عليك.
وينبغي أن تعالج ذلك بالتفكر والتدبر فيما تقرأ، واستشعار جلال الموقف وأنك بين يدي
الله تعالى، وأن الله ناظر إليك.
ولا بأس أن تعرض نفسك على طبيب نفسي ، أو أخصائي في العلاج المعرفي ؛ فلعل عنده ما
يفيدك في مثل ذلك .
نسأل الله أن يعافيك ويصلح حالك.
والله أعلم.