الحمد لله.
ثانيا :
لم يخبر الله تعالى في كتابه هل كان الطلب من جميعهم ، أو من بعضهم مع إقرار
الباقين ، أو كان من أغلبهم ، إذ لا فائدة من وراء ذلك ، لكن المراد من الآية بيان
كثرة مسائل بني إسرائيل وتعنتهم واختلافهم على أنبيائهم ، وتحذير الأمة من هذا
المسلك .
فينبغي للسائل أن يحذر الوقوع فيما وقع فيه بنو إسرائيل ، وأن يجتنب التكلف في
إيراد المسائل والإشكالات ، لا سيما فيما لا فائدة ترجى من التشقيق فيه ؛ فإن هذا
القرآن سهل طيب مبارك ، لمن قرأه مريدا الانتفاع منه ، دون تكلف أو تشقيق أو تنقير
عما لم يبين منه .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ : " نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ
" أخرجه البخاري (7293) .
قال ابن الأثير : " أَرَادَ كثرةَ السُّؤال ، والبَحْثَ عن الأشياء الغامِضة التي
لَا يَجِب البَحْث عَنْهَا ، والأخْذ بِظَاهِرِ الشَّريعة وقَبُول مَا أتَت بِهِ "
انتهى من " النهاية في غريب الحديث والأثر " (4/196) .
على أن السبعين الذين
اختارهم موسى عليه السلام لميقات الله تعالى كما في سورة الأعراف (وَاخْتَارَ
مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا
بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ
تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ) الأعراف/155 .
لم تبين الآية الكريمة سبب هذه الرجفة التي أخذتهم .
هل كانت بسبب قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) ؟
وهو قول كثير من المفسرين .
أو لم يكونوا هم أصحاب تلك المقولة ، وإنما أخذتهم الرجفة لأنهم كانوا عبدوا العجل
مع من عبده ، كما قيل .
وقيل : إنهم لم يعبدوا العجل ، ولكنهم داهنوا من عبده ولم ينهوه عن ذلك .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
"واختلف العلماء في سبب هذه الرجفة ... ثم ذكر الأقوال المتقدمة ، ثم قال :
"هذه أقوال المفسرين ، وفيها غير ذلك ، ولا شيء يقوم عليه الدليل القاطع منها ،
والله تعالى أعلم " انتهى من "العذب المنير" (4/193، 194) ، وانظر "فتح القدير
للشوكاني" (3/100) فقد ذكر هذه الأقوال .
واختار الشيخ ابن عثيمن رحمه الله أن الذين قالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً) ليسوا هم هؤلاء السبعين .
وانظر تفسير "سورة البقرة " للشيخ ابن عثيمين (3/135) .
والله أعلم .