الحمد لله.
أما إهداء ثواب العبادات
التي لم يرد فيه نص ولا تصح النيابة فيها ، كالصلاة وقراءة القرآن ، فقد اختلف فيه
أهل العلم :
فبعضهم أجازه ، قياسا على ما وردت به النصوص .
وبعضهم لم يجز ذلك لعدم وجود نص ، ولأن الإنسان ليس له إلا ما سعى .
قال ابن قدامة رحمه الله
تعالى :
" وأي قربة فعلها ، وجعل ثوابها للميت المسلم ، نفعه ذلك ، إن شاء الله ، أما
الدعاء ، والاستغفار ، والصدقة ، وأداء الواجبات ، فلا أعلم فيه خلافا ، إذا كانت
الواجبات مما يدخله النيابة " انتهى من " المغني " (3 / 519) .
وقد سبق بيان هذه المسألة في أجوبة عديدة . ينظر رقم : (9014) ، و (9979) .
وأيا ما كان الأمر ؛ فإن
الأفضل للمسلم أن يفعل العبادات لنفسه ويدعو لإخوانه المسلمين الموتى ، فإن هذا هو
الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمل السلف الصالح رضي الله عنهم .
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
عمن يقرأ القرآن العظيم ، أو شيئا منه ، هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه ، ولموتى
المسلمين ؟ أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة ؟
فأجاب:
"أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة ، كما صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: ( خير الكلام كلام الله ، وخير
الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) . وقال صلى الله عليه
وسلم : ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ) .
وقال ابن مسعود : "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ؛ فإن الحي لا تؤمن عليه
الفتنة ، أولئك أصحاب محمد".
فإذا عرف هذا الأصل ، فالأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة ، أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة ، فرضها ونفلها ، من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك ، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات ، كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك ...
فلم يكن من عادة السلف إذا
صلوا تطوعا وصاموا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين ولا
لخصوصهم ، بل كان عادتهم كما تقدم ، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف ،
فإنه أفضل وأكمل . والله أعلم " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (24 / 321 – 323) .
ثانيا :
الاستغفار وإهداء ثواب الأعمال الصالحة للنصارى الموتى ، أمر لا يجوز .
فقد نهى الله تعالى عن الاستغفار للمشركين .
قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) التوبة /113 .
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى :
" يقول تعالى ذكره : ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به
، ( أَنْ يَسْتَغْفِرُوا ) ، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين ، ولو كان المشركون
الذين يستغفرون لهم ذوي قرابة لهم ، ( مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) ، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان ،
فتبيَّن لهم أنهم من أهل النار ، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك ، فلا ينبغي لهم
أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله " .
انتهى من " تفسير الطبري " (12 / 19) .
والنصارى من أهل الشرك ، كما هو مقرر ، معلوم بالضرورة من دين الإسلام .
قال الله تعالى : ( وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ
قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ ) التوبة /30 – 31 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره ، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله
، وهو المسلم ؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح ، ولا يجوز أن
يهدى إليه ، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له ، قال الله تعالى : ( مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ ) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن جده العاص بن وائل
السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، وأراد ابنه عمرو
بن العاص أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (
إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم بلغه ذلك ) . وفي رواية: (
فلو كان أقر بالتوحيد ، فصُمتَ ، وتصدقت عنه نفعه ذلك ) . رواه أحمد وأبو داود "
انتهى من" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2 / 315 – 316) .
ثالثا :
مجرد إدعاء الإنسان بلسانه أنه يحب الله تعالى لا يكفي لنجاته من نار جهنم ، حتى
يصحح عقيدته فيؤمن بأن الله تعالى واحد لا شريك له ، ويؤمن بالنبي محمد صلى الله
عليه وسلم ويتبع شريعته .
قال الله تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ،
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ ) آل عمران /31 – 32 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة
المحمدية ، بأنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي ، والدين
النبوي في جميع أقواله وأحواله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ولهذا قال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ؛ أي: يحصل لكم فوق ما
طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض الحكماء
العلماء: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ ...
ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ) أي :
خالفوا عن أمره ( فإن الله لا يحب الكافرين) .
فدل على أن مخالفته في الطريقة : كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك ، وإن ادعى وزعم
في نفسه أنه يحب الله ، ويتقرب إليه ، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ،
ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس " انتهى من " تفسير ابن كثير " (2 / 32) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ! لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي
أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواه مسلم (153) .
فالحاصل : أنه لا يجوز لك أن تدعو لتلك المرأة ولا يجوز أن تهدي لها ثواب الأعمال
الصالحة، ولن ينفعها ذلك ما دامت قد ماتت على غير الإسلام .
والله أعلم .