الحمد لله.
وإذا افترضنا أن والدكم كان معذورا بفتوى من يبيح الإيداع في البنوك الربوية ،
وأنه يدين الله حقا بذلك ، ويعتقد أنه هو الصواب ؛ فهل أفتاه أحد بترك الزكاة ، ذلك
الزمان كله ؟
أم هي أهواء النفوس ، وشحها بالمال ، في جمعه ومنعه ؟!
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " توبة المرابي كيف تكون ؟ هل يخرج من جميع
ماله المحرم الذي اكتسبه ، أم ماذا يصنع؟ حيث إني قرأت لأهل العلم كلاماً مختلفاً:
منهم من قال: يتخلص مما في يده من المال المحرم إن كان عالماً بالحرمة، فإن لم يكن
فلا يخرج شيئاً، ومنهم من قال: له كل ما في يده قبل التوبة تسهيلاً له في التوبة،
ومنهم من قال: يتخلص من الربا كله؛ لأن الله يقول: (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ)
[البقرة:279] فما هو الحكم الذي تؤيده الأدلة جزاك الله عنا خيراً، ويسر لإخواننا
طريق الخلاص من كل محرم؟
فأجاب: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام : فله كل ما أخذ ، وليس عليه
شيء. أو أنه اغتر بفتوى عالم : أنه ليس بحرام فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى:
(فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ ) [البقرة:275].
أما إذا كان عالماً ، فإنه يتخلص من الربا ، بالصدقة به ، تخلصاً منه، أو ببناء
مساجد أو إصلاح طرق أو ما أشبه ذلك. " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين "
(4/246).
على أية حال ، فقد أفضى والدكم إلى ما قدم ، وحسابه على ربه ، ليس على العباد منه شيء .
وأما ما يتعلق بكم أنتم ، فقد انتقل المال إليكم بالميراث الشرعي ، وإن كان يحرم
منه شيء بالعقد الربوي الفاسد ، فإنما يحرم ذلك على والدكم ، لأنه هو الذي اكتسب
الكسب الفاسد ، وليس عليكم من إثمه شيء ، وليس عليكم ـ أيضا ـ التخلص من هذا المال
، ولا من فوائده التي اكتسبها والدكم في حياته .
وإن كان لا يحل لكم شيء مما دخل فيه من الفوائد الربوية ، منذ دخل المال في ملككم
بالميراث ، وتمكنتم من قبضه ؛ لأن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط ، دون من انتقل
إليه بوجه مباح كالإرث.
قال العلامة محمد عليش المالكي رحمه الله : " واختلف في المال المكتسب من حرام ،
كربا ومعاملة فاسدة، إذا مات مكتسبه عنه : فهل يحل للوارث ؟ وهو المعتمد ، أم لا؟
وأما عين الحرام المعلوم مستحقه ، كالمسروق والمغصوب: فلا يحل له " .
انتهى من " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/ 416).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل
يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه ، فهل يكون ذلك من العقوق؟
فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام : إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه
يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص ، فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه
الشاة وذبحها ، فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته .
أما إذا كان الحرام من كسبه ، يعني: أنه هو يرابي ، أو يعامل بالغش ، أو ما يشابه
ذلك ؛ فكل، والإثم عليه هو.
ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود ، وهم معروفون
بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ، ليموت، ولكن الله
عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير
الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم
على والده ".
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/ 13).
ويدخل في هذا المال ما نتج عن شهادة الاستثمار، فإنه يدخل في تركته التي تأخذونها
عنه ، ولا يلزمكم التخلص منه .
ثانيا:
يلزمكم إخراج الزكاة عن والدكم عن السنوات الماضية، وتعملون في ذلك بالاجتهاد وغلبة
الظن، بأن يقال: إن المال كان في السنة الأولى كذا ، بحسب ما يغلب على الظن ،
فتخرجون منه ربع العشر، ثم إنه كان في العام الذي يليه، فتخرجون ربع العشر، وهكذا.
ثالثا:
المال الذي وجد في المنزل ، ولا يعلم مدة وجوده ، وهل حال عليه الحول أم لا ؟
الأصل عدم زكاته حتى يُعلم أنه قد حال عليه الحول، وإن رضي الورثة بإخراج الزكاة
عنه احتياطا، وكانوا راشدين بالغين، فهذا حسن.
والله أعلم.