الحمد لله.
ثانيا:
ما بناه الولد بإذن والده، ملكٌ له، وليس للوالد أن يأخذ شيئا من مال والده إلا عند
حاجته، وبشرط ألا يضر بالولد ، وألا يعطيه لولد آخر.
والأصل في ذلك ما روى أحمد (6678) ، وأبوداود (3530) ، وابن ماجه (2292) عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده : " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
إن لي مالا وولدا وإن والدي يجتاح مالي قال: ( أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ ؛ إِنَّ
أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ
كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا ) وله طرق وشواهد يصح بها ، وينظر : " فتح الباري
" ( 5 / 211 ) ، و " نصب الراية " ( 3 / 337 ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ
أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ الذُّكُورَ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا)
رواه الحاكم ( 2 / 284 ) ، والبيهقي ( 7 / 480 )، والحديث صححه الشيخ الألباني في "
السلسلة الصحيحة " ( 2564 ).
فقوله : (إذا احتجتم إليها) دليل لمذهب الجمهور، أنه يشترط حاجة الأب حتى يأخذ من
مال والده.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ، ويتملكه ، مع حاجة
الأب إلى ما يأخذه ، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر، نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن
سعيد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه
بما أخذ من مال ولده الآخر أولى...
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته؛ لأن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا ) متفق عليه ، ولأن ملك الابن تام على مال نفسه ، فلم يجز انتزاعه منه
، كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من " المغني " (6/320) مختصرا.
فتبين بهذا أنه لا يجوز
لوالدك أن يأخذ شيئا مما بنيتموه ؛ لعدم حاجته، ولأنه سيأخذه ليعطي بعضه لأولاده
الآخرين .
والظاهر أن والدكم أراد الاستدراك والعدل في هبته ، ولكن العدل لا يكون بأخذ ما بنيتم ، وإنما يكون بالسماح للآخرين بالبناء، إذا رغبوا في ذلك ، أو بتعويضهم بشيء من المال كما سبق .
ثالثا:
لو مات الأب فلمن بنى فوق أرضه بإذنه : قيمة البناء فقط (دون حصة من الأرض)، ثم
يشارك الورثة في الأرض ، والبناء الذي بناه والده.
وينظر: سؤال رقم : (131901) .
رابعا:
سواء كان الإذن بالبناء هبة ، أو إعارة للسطح ، فإن للأب الرجوع في ذلك، ويلزمه
قيمة البناء لكم.
قال الماوردي رحمه الله : " قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أعاره بقعة يبني
فيها بناء لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه ، حتى يعطيه قيمة بنائه قائما يوم يخرجه "
.
انتهى من "الحاوي الكبير" (7/296).
وللأب الرجوع فيما يهبه لولده؛ لما روى أبو داود (3539) ، والترمذي (2132) ،
والنسائي (3690) ، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ
يُعْطِيَ عَطِيَّةً ، أَوْ يَهَبَ هِبَةً ، فَيَرْجِعَ فِيهَا ؛ إِلَّا الْوَالِدَ
فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ .
وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ:
يَأْكُلُ ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ ) والحديث صححه
الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي "الموسوعة الفقهية" (6/ 164): " ويجوز الرجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور،
فإذا تم القبض فلا رجوع عند الشافعية والحنابلة إلا فيما وهب الوالد لولده ، وعند
الحنفية يجوز الرجوع إن كانت لأجنبي.
أما المالكية فلا رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة، إلا فيما يهبه
الوالد لولده " انتهى.
والله أعلم.