الحمد لله.
ومن هذا الرؤى الصالحة
الطيبة ، والمبشرات الجليلة : ما وقع للصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه
:
روى البخاري (3813) ، ومسلم (2484) : عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ:
" كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي نَاسٍ، فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ ،
فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ
فَاتَّبَعْتُهُ ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَدَخَلْتُ ، فَتَحَدَّثْنَا، فَلَمَّا
اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ، قَالَ رَجُلٌ كَذَا
وَكَذَا !!
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ،
وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ :
رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ :
رَأَيْتُنِي فِي رَوْضَةٍ - ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَهَا - وَوَسْطَ
الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ ، أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَعْلَاهُ فِي
السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ !!
فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ - قَالَ
ابْنُ عَوْنٍ: وَالْمِنْصَفُ الْخَادِمُ - فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي - وَصَفَ
أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ - فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى
الْعَمُودِ، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ ، فَقِيلَ لِيَ: اسْتَمْسِكْ. فَلَقَدِ
اسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي !!
فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: (
تِلْكَ الرَّوْضَةُ الْإِسْلَامُ ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ،
وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى
تَمُوتَ ).
قَالَ: وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ ".
فإذا كنت قد رأيت أن الله وعدك بأمر من الخير، فهذه رؤيا صالحة ، لكن كون هذا الوعد
يتحقق في الواقع على نحو ما رأيت ، أو لا يتحقق، علمه عند الله تعالى، لكن يستبشر
الإنسان بما رأى، ويرجو الخير من ربه .
وربما كان في ذلك نوع إشارة
إلى أمر شرعي ؛ كأن يكون تثبيتا للعبد على عمل طاعة يعملها ، أو استعتابا له ،
لتدارك تقصير وقع فيه ، أو حث على ازدياد من الخير والطاعة ، يبلغ به تلك البشارة
التي جاءته .
ومن ذلك ما رواه البخاري (1121) ، ومسلم (2479) عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ:
" كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ: وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ :
كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ
مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ،
وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ .
فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ،
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ !!
قَالَ : فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ !!
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ
اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ) !!
قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ
إِلَّا قَلِيلًا " .
ثانيا:
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة ، ويدخل في ذلك
الدعاء بأن يريه الله تعالى الجنة أو الحور العين في منامه.
ولا يظهر أن دعاء الله تعالى أن يرى العبد الجنة في منامه ، لا يظهر أن هذا من
الاعتداء في الدعاء؛ لأنه سؤال أمر مباح ممكن ليس في النصوص منع وقوعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالاعتداء في الدعاء : تارة بأن يسأل ما لا
يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات . وتارة يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن
يسأل تخليده إلى يوم القيامة أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية : من الحاجة إلى
الطعام والشراب .
ويسأله بأن يطلعه على غيبه أو أن يجعله من المعصومين أو يهب له ولدا من غير زوجة
ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" انتهى من "مجموع الفتاوى"
(15/22).
ومما جاء في رؤية الصالحين للجنة مناما : ما روى البخاري (7016) ، ومسلم (2478) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، َ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا) ".
غير أن رؤية الجنة في المنام
: ليست هي الجنة ـ حقيقة ـ كما قد يظن السائل ؛ بل هي مثالها "المنامي" ، وأما
الجنة ـ حقيقة ـ : ففيها : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر !!
ويخشى أن يكون في الدعاء بـ"الرؤية الحقيقية " : نوع اعتداء .
ولو أن العبد شغل نفسه ، ودعا ربه أن يوفقه إلى ما يقربه من ربه ، ويوصله الجنة ، ويباعده من النار : لكان أنفع له ، ولكان هو العبد حقا .
والله أعلم.