ادعت كذبا أنها رأت رؤيا لتمنع أخاها عن فعل شيء
أخي يريد شراء سيارة ، وسوف يدفع أكثر من قيمتها الفعلية ، ونحن نعلم أنه سيتورط فيها ، حاولنا أن نصرف نظره عن شراء هذه السيارة ، ولكن هناك من يؤثر عليه ويقنعه بشرائها ، ولأخي صديق عزيزي عليه توفي من فترة ، ففكرت أن أدعي أنني رأيت رؤيا لصديق أخي في المنام ، يطلب مني أن أخبر أخي ألا يكمل في الموضوع الذي يشغله ، وأن الله سبحانه وتعالى سيعوضه خيرا ، فأخبرت أخي ، فلما سمع ذلك قرر الاستخارة في أمر شراء السيارة ،
فهل ما فعلته يعد ذنبا أحاسب عليه ؟
على الرغم أن نيتي سليمة وهي أن أصرف أخي عن شراء شيء سيتضرر بشرائه .
الجواب
الحمد لله.
لا شك أن ما فعلتِيه هو من الكذب المحرم ؛ بل إن الكذب في الرؤيا قد عده أهل العلم
من كبائر الذنوب ، لما ورد فيه من النهي والوعيد .
روى البخاري (7042) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ
بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ) .
وروى البخاري (3509) عن وَاثِلَةَ بْن الْأَسْقَعِ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ
الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ ، أَوْ
يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ)
.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :
"قَوْله ( مَنْ تَحَلَّمَ ) أَيْ مَنْ تَكَلَّفَ الْحُلْم . قَوْله ( بِحُلْمٍ لَمْ
يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِد بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَل ) فِي رِوَايَة
عَبَّاد بْن عَبَّاد عَنْ أَيُّوب عِنْدَ أَحْمَد : (عُذِّبَ حَتَّى يَعْقِد بَيْنَ
شَعِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ عَاقِدًا) . وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ
(مَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا دُفِعَ إِلَيْهِ شَعِيرَة وَعُذِّبَ حَتَّى يَعْقِد بَيْنَ
طَرَفَيْهَا وَلَيْسَ بِعَاقِدٍ ) .... وَالْمُرَاد بِالتكليف نَوْع مِنْ
التَّعْذِيب " .
انتهى من "فتح الباري" (12/428) .
وفي "عون المعبود" :
" (وَمَنْ تَحَلَّمَ ) : أَيْ اِدَّعَى أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا ( كُلِّفَ ) : مِنْ
التَّكْلِيف أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ( أَنْ يَعْقِد شُعَيْرَة ) : أَيْ وَلَا
يَسْتَطِيع ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْد بَيْن طَرَفَيْ شُعَيْرَة غَيْر مُمْكِن .
وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : (أَنْ يَعْقِد بَيْن شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَل)
، قَالَ الْقَسْطَلَانِيّ : وَذَلِكَ لِأَنَّ إِيصَال إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى
غَيْر مُمْكِن عَادَة , وَهُوَ كِنَايَة عَنْ اِسْتِمْرَار التَّعْذِيب " انتهى .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" إن قال قائل: ما وجه خصوص النبي عليه السلام الكاذب في رؤياه بما خصه به ، من
تكليف العقد بين طرفي شعرتين يوم القيامة ؟ وهل الكاذب في رؤياه إلا كالكاذب في
اليقظة، وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم ، إذا كان شهادة توجب على المشهود
عليه بها حدًا أو قتلاً أو مالاً يؤخذ منه، وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك
عليه في منامه وحده دون غيره؟ قيل له: اختلفت حالتهما في كذبهما، فكان الكاذب على
عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين ، وذلك لتظاهر الأخبار عن النبي عليه السلام أن
الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيًا من
الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم ير،
والكاذب على الله أعظم فرية ، وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه، بما أتلف به
حقًا لغيره ، أو أوجبه عليه .
وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ) ؛ فأبان ذلك صحة ما قلناه أن الكذب في الرؤيا ليس كالكذب في اليقظة؛
لأن أحدهما كذب على الله ، والآخر كذب على المخلوقين" انتهى ، نقلا عن "شرح صحيح
البخاري" لابن بطال (9/544-555) .
فيجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الكذب ، ولا يجب أن تخبري أخاك بأنك كذبت
عليه ، وكان عليك أن تسلكي السبل المباحة في نصح أخيك ، ولا تلجئي إلى الكذب .
والله أعلم .