الحمد لله.
أولا:
إذا ثبت ما ذكرته عن أختك ، فإنها تكون قد أساءت إساءة بالغة، وجمعت بين أكل المال بالباطل، وما يدعو لقطيعة الرحم .
والواجب عليها التوبة إلى الله تعالى، ومن توبتها أن ترد المظالم إلى أهلها؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ؛ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ : أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ).
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه : رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه ، مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " . انتهى من "رياض الصالحين" ص 33 .
ثانيا:
إذا لم يمكنك الوصول إلى الحق الذي لك على أختك : جاز أن تأخذه من نصيبها من التركة الذي تحت يدك، وهذه مسألة تعرف عند الفقهاء بـ" الظفر بالحق " ؛ وهي : أنه من كان له حق عند شخص، ولم يستطع أخذ حقه منه، ثم ظفر بشيء من ماله ، فله أن يأخذ من ماله قدر حقه دون زيادة, على الراجح من كلام أهل العلم .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (27068) , والفتوى رقم : (162369).
قال المزني رحمه الله في "مختصره" – بهامش الأم – (5/267) :
" باب أخذ الرجل حقه ممن يمنعه إياه: وكانت هند زوجة لأبي سفيان ، وكانت القيم على ولدها لصغرهم ، بأمر زوجها .
فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما شكت إليه ، أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف .
فمثلها : الرجل يكون له الحق على الرجل فيمنعه إياه، فله أن يأخذ من ماله ، حيث وجده ، بوزنه أو كيله، فإن لم يكن له مثل كانت قيمته دنانير أو دراهم، فإن لم يجد له مالا ، باع عرضه واستوفى من ثمنه حقه.
فإن قيل: فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " ؟
قيل: إنه ليس بثابت.
ولو كان ثابتا : لم تكن الخيانة ما أُذِن بأخذه صلى الله عليه وسلم، وإنما الخيانة أن آخذ له درهما ، بعد استيفاء درهمي ، فأخونه بدرهم ، كما خانني في درهمي ؛ فليس لي أن أخونه بأخذ ما ليس لي؛ وإن خانني" انتهى.
وينظر : "الأم" (6/270) .
وقال القرطبي رحمه الله في هذه المسألة : " والصحيح : جواز ذلك ، كيفما توصل إلى أخذ حقه ، ما لم يُعَدّ سارقا، وهو مذهب الشافعي وحكاه الداودي عن مالك ، وقال به ابن المنذر، واختاره ابن العربي ، وأن ذلك ليس خيانة ، وإنما هو وصول إلى حق" انتهى من " تفسير القرطبي " (2 / 355).
والأخذ بمسألة الظفر مقيد بثلاثة أمور:
الأول: ألا يأخذ أكثر من حقه.
الثاني: أن يأمن الفضيحة والعقوبة.
الثالث: ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء، لعدم وجود البينة لديه، أو لسوء إجراءات التقاضي ، وما يصحبه من كلفة وتأخر.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يجز له العمل بمسألة الظفر.
والله أعلم.