انتقلت من أستراليا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأكون مع زوجي، وأنا على ذهاب وإياب بينهما منذ عام 2014. في الآونة الأخيرة بدأت بالشعور بالتعاسة الشديدة بسبب أن زوجي لا يقوم بحقوقي. شاركت في العديد من جلسات الإصلاح بين الزوجين التي تقوم بها المراكز الإسلامية في مجتمعنا ولكن زوجي مستمر في عدم أداء حقوقي. في الفترة الأخيرة طلبت الطلاق من زوجي بسبب تكرر الإساءة إلي وعدم أداء الحقوق، لكني اكتشفت بعدها بأني حامل. زوجي غير قادر على النفقة عليَّ وعلى الطفل ويعتمد عليَّ وعلى والدته في المساعدات المالية، وفي الفترة الأخيرة فقدنا منزلنا ومكثنا في الفنادق لأن والدته ترفض زواجنا ولا تحترم ديننا (هي غير مسلمة) وقد اضطر والدَيَّ إلى إرسال 4000 دولار لي لإيوائنا في مكان فيه مفروشات بعد أن تشردنا في الطرقات. كل هذا بسبب عدم استطاعة زوجي القيام بالنفقة. في الولايات المتحدة الأمريكية أنا غير قادرة على الحصول على عناية صحية رخيصة مما يكلفني الفواتير الضخمة وزوجي يريدني أن أدفع كل هذه الفواتير الصحية بنفسي. عندما يحصل زوجي على بعض المال فهو يستعمله على احتياجاته الشخصية قبل العناية بي. عندي الخيار للعودة إلى أستراليا والسكن مع والدَيَّ والحصول على الرعاية التامة لي وللطفل، أعطيت زوجي الخيار في العودة معي إلى أستراليا، ولكنه لا يريد مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية. أرجوكم أعطوني الأدلة ووضحوا لي ما إذا كان يجوز لي البقاء في أستراليا مع الطفل بسبب أن زوجي غير قادر على النفقة عليَّ؟
الحمد لله.
أولا:
نفقة الزوجة واجبة على الزوج ولو كانت غنية؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وقوله : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218).
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) .
ولا يلزم الزوجة العمل، فإن فعلت لمساعدة زوجها فهي محسنة متبرعة.
والنفقة الواجبة تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس. وتقدر بحال الزوجين جميعا، فإن كانا موسرين فلها عليه نفقة الموسرين، وإن كانا معسرين فعليه لها نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين فعليه نفقة المتوسطين، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ، فلها نفقة المتوسطين، سواء كان هو الموسر أو هي.
وهذا هو المفتى به عند الحنفية ، والمعتمد عند المالكية ، وهو مذهب الحنابلة ، جمعا بين النصوص ، ورعاية لكلا الجانبين.
وينظر: الموسوعة الفقهية (5/ 254).
ثانيا:
إذا أعسر الزوج بالنفقة، فللزوجة أن تختار الصبر والبقاء معه، وأن تختار مفارقته عند جمهور الفقهاء.
وفي الموسوعة الفقهية (41/ 66): " واختلفوا فيما لو أعسر الزوج ، ولم ترض زوجته بالبقاء معه ، في حقها في طلب التفريق بينها وبينه ، على قولين:
القول الأول: ليس لها طلب التفريق، وليس للزوج أن يمنعها من التكسب كي تنفق على نفسها، وبهذا قال ابن شبرمة وحماد بن أبي سليمان وعطاء والزهري والحسن وابن أبي ليلى وغيرهم، وإليه ذهب الحنفية، ...
القول الثاني: للمرأة حق طلب التفريق بينها وبين زوجها لعجزه عن الإنفاق، فإن امتنع فرق الحاكم بينهما.
وإليه ذهب المالكية، وهو الأظهر عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة .
وهذا التفريق فسخ عند الشافعية والحنابلة، وطلاق رجعي عند المالكية، وهذا مروي عن عمر وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وإسحاق وأبو ثور وغيرهم .
مستندين في ذلك إلى قوله عز وجل: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ، فقد أمر سبحانه بإمساك الزوجة بالمعروف ، أو التسريح بإحسان، وعدم إنفاق الزوج عليها تفويت للإمساك بالمعروف، فيتعين الثاني وهو التسريح بالإحسان .
ولما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد ، فيمن غاب عن نسائه من أهل المدينة، فأمرهم أن يرجعوا إلى نسائهم ، إما أن يفارقوا ، وإما أن يبعثوا بالنفقة، فمن فارق منهم فليبعث بنفقة ما ترك.
ولما روي عن سعيد بن المسيب أن أبا الزناد سأله عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، قال: يفرق بينهما، قال أبو الزناد: قلت: سنة؟ فقال: سنة.
قال الشافعي: ويشبه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأنه إذا ثبت الفسخ بالعجز عن الوطء، والضرر فيه أقل، فلأن يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن إلا بها أولى" انتهى.
ثالثا:
إذا اختارت الزوجة الفسخ، فإن الحضانة لها على مولودها إلى تمام سبع سنين، ما لم تسافر أو تتزوج، فتنتقل الحضانة إلى من بعدها، على خلاف بين الفقهاء.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أحق الناس بالحضانة بعد الأم أمها- بشرط أن تكون في بلد الأب أيضا-. وينظر : "المغني" (8/197) ، "الموسوعة الفقهية" (15/122).
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأب مقدم على أم الأم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله .
والأصل في ذلك: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ؟
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) .
رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
وأما سفر الحاضنة فإنه يسقط حقها في الحضانة؛ إذ من مصلحة الطفل أن يكون قريبا من أبيه ليراه ويرعاه.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (17/308-309):
" مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمه وهي في زوجية أبيه، أو في عدته من طلاق رجعي أو بائن...
وإذا انقضت عدة الأم ، فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون أو وليه، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأم، لأن للأب حق رؤية المحضون، والإشراف على تربيته، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الولي.
هذا قدر مشترك بين المذاهب، وهو ما صرح به الحنفية وتدل عليه عبارات المذاهب الأخرى" انتهى.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (8189).
رابعا:
إذا اختارت الزوجة فسخ الزواج ، والفرقة من زوجها ، فظاهر أنها ملكت أمرها ، ولها أن ترجع إلى بلدها ، وتسكن حيث يسكن أهلها .
لكن : إذا لم تختر الفسخ، فإنه لا يجوز لها السفر ولا الخروج من المنزل إلا بإذن زوجها، لعموم الأدلة الدالة على لزومها البيت، ووجوب كونها مع زوجها، واستئذانه في الخروج من بيته .
إلا أنه مع إعسار الزوج قال بعض الفقهاء إنه ليس له أن يمنعها من العمل والكسب.
وينظر: الشرح الممتع (13/ 493).
والحاصل :
أنه إن أعسر الزوج بالنفقة الواجبة ، ورضيتِ أنت ـ الزوجة ـ ببقاء النكاح : فليس لك السفر إلا بإذنه ورضاه، فليكن بينكما التفاهم حول الأصلح والأنسب.
وينبغي أن يأخذ الزوج بالأسباب، ويبحث عن العمل المباح، ويسأل الله تعالى الرزق والعون، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، فإنها من أسباب الرزق، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
والله أعلم.