الحمد لله.
أولا:
لا يجوز إيداع الأموال في حساب التوفير بالبنوك الربوية ؛ لأن حقيقته أنه قرض ربوي محرم ، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وينظر جواب السؤال (9054) و (82669) و(72413) .
وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، بالتوقف عن الإيداع المحرم، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه.
وأما الفوائد الربوية التي حصل عليها ففيها تفصيل:
1-ما أنفقه من هذه الفوائد، فلا يلزمه فيه شيء، غير التوبة.
2-ما بقي في يده من هذه الفوائد: فيلزمه التخلص منه بإعطائه الفقراء والمساكين، إلا إن كان قد حصل عليها ، وهو جاهل بأن هذا ربا، أو قلد من أفتى بأنه ليس ربا، فلا يلزمه التخلص منها عند بعض أهل العلم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " توبة المرابي كيف تكون ؟ هل يخرج من جميع ماله المحرم الذي اكتسبه ، أم ماذا يصنع؟ حيث إني قرأت لأهل العلم كلاماً مختلفاً: منهم من قال: يتخلص مما في يده من المال المحرم إن كان عالماً بالحرمة، فإن لم يكن فلا يخرج شيئاً، ومنهم من قال: له كل ما في يده قبل التوبة تسهيلاً له في التوبة، ومنهم من قال: يتخلص من الربا كله؛ لأن الله يقول: (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) [البقرة:279] فما هو الحكم الذي تؤيده الأدلة جزاك الله عنا خيراً، ويسر لإخواننا طريق الخلاص من كل محرم؟
فأجاب: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام : فله كل ما أخذ ، وليس عليه شيء. أو أنه اغتر بفتوى عالم : أنه ليس بحرام فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى: ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ) [البقرة:275].
أما إذا كان عالماً ، فإنه يتخلص من الربا ، بالصدقة به ، تخلصاً منه، أو ببناء مساجد أو إصلاح طرق أو ما أشبه ذلك. " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4/246).
3-إذا مات المتعامل بالربا، وخلف شيئا من الفوائد الربوية، فلورثته الانتفاع بها، ولا يلزمهم التخلص منها، حتى لو كان المورِّث قد حصل عليها مع علمه بالتحريم؛ لأن المال المحرم لكسبه، يحرم على كاسبه فقط، ولا يحرم على من انتقل إليه بوجه مباح كالإرث.
قال العلامة محمد عليش المالكي رحمه الله : " واختلف في المال المكتسب من حرام، كربا ومعاملة فاسدة، إذا مات مكتسبه عنه : فهل يحل للوارث؟ وهو المعتمد ، أم لا؟
وأما عين الحرام ، المعلوم مستحقه ، كالمسروق والمغصوب: فلا يحل له " .
انتهى من " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/ 416).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في أموال المرابي: " أما بالنسبة لأولاده :
فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ، ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا.
وأما إذا ورثوه من بعده : فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه ، لكن هم كسبوه بطريق شرعي ، بالإرث ، وإن تبرعوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحو ما قبلها من السيئات " "لقاء الباب المفتوح"(181/19) .
ثانيا:
لا يلزمك ما ذكرت من إخراج مال مساو للفوائد الربوية التي أنفقها والدك، لكن إن فعلت ذلك إحسانا وأخرجت المال صدقة عنه، فإنه يرجى له بها النفع إن شاء الله، ولعل الله أن يكفر بها إثم أكله للسحت، ولو جعلته صدقة جارية في أمر يبقى وينتفع به الفقراء ، كان حسنا، كمسجد أو بئر أو عقار يؤجر وتعطى أجرته للفقراء، مع كثرة الدعاء والاستغفار له، فإن خطيئة الربا ليست في أكل الفائدة فحسب-كما يفهم من سؤالك-، بل في نفس التعامل والتعاقد، ولذا لُعن موكل الربا وكاتبه وشاهداه، كما لعن آكله.
فإن كان والدك عالما بالتحريم ، فاجتهد في نفعه بالدعاء والصدقة والحج عنه أو الاعتمار، رجاء أن يغفر الله له.
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم (1631) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ؛ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والله أعلم.