الحمد لله.
هذه الأشجار النابتة بفعل الله ، دون سقي ، أو تعهد ، أو استصلاح ، يجوز للمسلم إذا سبق إليها أن يحتطب منها ، ولو كانت نابتة في ملك خاص ، على أظهر قولي العلماء .
ولا يجوز لمالك الأرض أن يمنعها عن أحد من المسلمين ، إلا إن كان محتاجا إليها ، فهو أحق بها من غيره .
فإن لم يكن محتاجا إليها – كحال الأرض المسؤول عنها - فجميع المسلمين لهم حق في الاحتطاب منها ، فمن سبق إلى شيء منها فاحتازه فهو أحق به ؛ لأن الناس شركاء فيه ، بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ( الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ : فِي الْكَلَإِ ، وَالْمَاءِ ، وَالنَّار ) .
أخرجه أبو داود برقم (3477) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (6/7) .
وليس المراد بالحديث ما ينبت في الأرض الفضاء التي لا مالك لها ؛ لأن هذا أمر معلوم ، والناس شركاء فيه بداهة.
لكن المراد بالحديث : ما ينبت في الأرض المملوكة مما ينبت بفعل الله ، من غير جهد من مالكها في استصلاحه أو سقيه أو حيازته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النبات الذي ينبت بغير فعل الآدمي ، كالكلأ الذي أنبته الله في ملك الإنسان ، أو فيما استأجره ، ونحو ذلك : فهذا لا يجوز بيعه في مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ، وهو قول بعض أصحاب مالك والشافعي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار ) .
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد ما ينبت في الأرض المباحة فقط ; لأن الناس يشتركون في كل ما ينبت في الأرض المباحة من جميع الأنواع : من المعادن الجارية ; كالقير والنفط ، والجامدة : كالذهب والفضة والملح وغير ذلك ؛ فعلم أنه أراد ما ينبت في أرض الإنسان .
وأيضا فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء يمنعه ابن السبيل ، فيقول الله له : اليوم أمنعك فضلي ، كما منعت فضل ما لم تعمله يداك ...) .
فهذا توعده الله بالعذاب ; لكونه منع فضل ما لم تعمل يداه ، والكلأ الذي ينبت بغير فعله لم تعمله يداه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/218) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح قول صاحب الزاد " ولا يصح بيع... ما نبت في أرضه من كلأ وشوك" :
" الكلأ هو العشب، والشوك الشجر، فما ينبت في الأرض بفعل الله عزّ وجل، فإنه لا يجوز لي أن أبيعه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار) فلا يصح بيع ما أنبته الله تعالى في ملكي من كلأ أو شوك.
فإن كنت أحتاجه لرعي إبلي أو بقري أو غنمي : فأنا أحق به، ولي أن أمنع منه؛ لأنني أحق به، أما إذا كنت لا أحتاجه فليس لي أن أمنع من يريد أخذه، إلا إذا كان يلحقني في ذلك ضرر" انتهى من "الشرح الممتع" (8/140).