الحمد لله.
أولا:
قراءة القرآن وذكر الله تعالى من أعظم الأعمال وأفضل القربات، ولا يخفى ما جاء في ذلك من النصوص .
والتذكير بذلك، والدعوة إليه، والترغيب فيه من صالح الأعمال، والدال على الخير كفاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، كما روى مسلم (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ).
وروى مسلم (1893) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ).
ثانيا:
ما شاع استعماله في مجموعات الواتس آب من الذكر بأعداد معينة، وإخبار الإنسان بعمله، أقل أحواله الكراهة، وفيه جملة من المفاسد، منها:
1-أن تحديد الذكر بعدد معين يدخل في حيز البدعة الإضافية. وينظر: سؤال رقم (82559).
2-أن هذا العمل مدعاة للرياء والعجب، وهما خطران عظيمان قد لا ينتبه لهما المرء. والخير أن يحرص الإنسان على إخفاء عمله ما استطاع.
3-أنه يمكن التذكير بالخير مع تجنب هذه المفاسد، وذلك بنشر أحاديث الفضائل ودعوة الناس إليها، فيقال بين الحين والآخر: اذكروا الله عز وجل، تنبهوا لفضل قراءة القرآن، أكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ونحو ذلك.
أو التنبيه على الأذكار التي ورد التقييد فيها بمائة مرة ـ مثلا ـ مثل : ( سبحان الله وبحمده ) أو ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ، ونحو ذلك .
وأما أن يقول كل إنسان: ذكرت الله ألف مرة، أو فوق الألف، أو قرأت جزءا من القرآن، فهذا لا ينبغي، ويخشى على صاحبه أن يدخل قلبه العجب بعمله، أو مراءاة غيره.
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :
" نحن ستة أصدقاء ، نجتمع كل 15 يوماً في بيت أحدنا على برنامج يتضمن القرآن ، والأربعين النووية ، ومنهاج المسلم ، وموعظة صاحب البيت ، ورجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، والافتتاح بالقرآن ، والختم بالدعاء ، ومن بين برامجنا : ورقة نملؤها كل شهر ، نسميها " جدول التنافس " ، وتتضمن ورداً من القرآن ، والصلوات الخمس في المسجد ، والصيام ، وصلة الرحم ، وعندما نواظب على ملئها تكون النتائج طيبة ، وعند عدم ملئها تكون النتائج سلبية ، من تفريط في تلاوة القرآن ، فما حكم الشرع في هذا الجدول ؟
فأجاب :
" الحمد لله : الذي يظهر لي أن اتخاذ هذا الجدول والتنافس على فقراته : بدعة ؛ لأنه يتضمن التفاخر ، والإعجاب بالعمل ، ويتضمن كذلك إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل ؛ لأن إخفاء العمل من الصدقة ، وتلاوة القرآن ، أو الذكر : أبعد عن الرياء ، قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ) الأعراف/ 55 ، وقال : ( ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياً ) مريم/ 2 ، 3 ، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله : ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ).
فالذي ينبغي : التواصي بالتزود من نوافل الطاعات ، والإكثار من ذلك ، وكلٌّ يعمل ما تيسر له فيما بينه وبين ربه ، وبهذا يحصل التعاون على البر والتقوى ، وتحصل السلامة مما يفسد العمل ، أو ينقص ثوابه ، والله الموفق ، والهادي إلى سبيل الرشاد ، والله أعلم " انتهى من:
https://goo.gl/ImWQ7h
وقد سبق ذكر الخلاف في مسألة إنشاء مجموعات للتلاوة على برامج التواصل في جواب السؤال رقم (181899) .
وقلنا : " الذي يظهر لنا في ذلك هو التوسط بين القولين :
فإن كان المراد بذلك التعبد ، وقراءة كل لورده ، فيكتفى في مثله بالتذكير والتواصي ، دون إحداث هيئات جديدة في صفة العبادة ، أو مراعاة متابعة الآخرين ، إلا إذا كان للغير خصوصية المربي والمؤدب ، فهذا يمكن فيه المتابعة والتعهد والتربية .
وأما ما كان مقصوده التعلم والمدارسة والحفظ، فهذا الباب لا حرج في التوسع فيه بالوسائل، ولو كانت مستجدات، وهذا لا يبعد كثيرا عن أصول السلف في مثل ذلك" انتهى.
ثالثا:
لا ينبغي أن يطلب من الصغار الإخبار بالعدد الذي أتوا به من الذكر، ولا جعل المسابقة بينهم في هذا؛ لما فيه من مفسدة الرياء والعجب، وتربية الصغير على مراعاة الخلق في عباداته ، وفي ذلك من الفساد العظيم ما لا يخفى .
إضافة إلى مفسدة أن تتحول العبادة إلى مجرد رقم يحرص الصغير على تحصيله ليفوز على غيره !
وأما تعلم القراءة والحفظ، فلا بأس أن يخصص لكل يوم قدر معين، تقرؤه المعلمة، ويقرؤه الطلاب بعدها، لتصح قراءتهم، أو ليحفظوا هذا القدر من القرآن، وهذه سنة ماضية في تعلم التلاوة والحفظ.
والله أعلم.