الحمد لله.
أولا :
مقدمات الزنا من اللمس والتقبيل والمباشرة من غير إيلاج ، لا تأخذ حكم الزنا ، ولا يحد فاعلها حد الزنا ، ولكنه يعزر ويؤدب ؛ لارتكابه حراما ومنكرا بينا ، ولما تفضي إليه هذه الأعمال ، عادة ، من الوقوع في الزنا الحقيقي ، لا سيما مع الخلوة ، والتمكن من ذلك ؛ وما حصل في قصة السؤال : دليل ذلك ، وهو متكرر الوقوع .
وقد سمى الشرع هذه الأعمال زنا ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ ) .
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله : " سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا : لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ , وَلِذَلِكَ قَالَ ( وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ ) " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (11/26) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (27259).
ثانيا :
أما ثبوت الحد على من ادعت أنها كانت قد سمحت بكل شيء إلا الزنا ، وأن الزنا تم بدون رضاها ولا علمها .
فليعلم أنه لإقامة الحد من ثبوت الزنا عند القاضي الشرعي ، بإحدى طرق الإثبات الثلاثة ، وهي : الإقرار ، أو شهادة أربعة رجال ، أو حمل المرأة وهي لا زوج لها .
فقد يحصل الزنا ولكنه لا يثبت عند القاضي ، أو يثبت على وجه لا يوجب الحد فلا يقام الحد حينئذ .
أما الإقرار :
فإذا أقرت المرأة على نفسها بالزنا ، وادعت أنها أنها كانت مكرهة (غير راضية) فإنه لا حد عليها ، لأن المرأة إنما أقرت إقرارا يرفع عنها الحد ولا يثبته ؛ خاصة عند وجود القرينة على صدقها في دعواها .
وينظر : المغني (12/347) .
وأما الشهود :
فإذا شهد أربعة رجال على المرأة بأنها زنت : ثبت عليها الحد .
فإن اختلفوا ، فقال بعضهم : كانت راضية ، وقال آخرون : كانت مكرهة ، فلا حد عليها .
فإن اتفقوا على أنها كانت راضية ، ولم يظهر منها ما يدل على إكراهها ، فادعت هي أنها كانت مكرهة وغير راضية ، فلا يقبل قولها ، ويقام عليها الحد ، لأن شهادة الشهود أقوى من إنكارها .
وأما الحمل :
فإذا حملت امرأة لا زوج لها ، فإنه يقام عليها الحد بذلك ، إلا أن تدعي شيئا يسقط الحد ، كما لو ادعت أنها كانت مكرهة ، فتقبل دعواها ، ولا يقام عليها الحد .
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال المرداوي في "الإنصاف" (25/342) :
"وعنه [أي : الإمام أحمد] : تحد إذا لم تدع شبهة . اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وهو ظاهر قصة عمر رضي الله عنه" انتهى .
وقصة عمر الذي اشار إليها المرداوي رواها البيهقي وابن أبي شيبة :
(رُفِعَتْ امرأة إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ ، وَقَدْ حَمَلَتْ ، فَسَأَلَهَا عُمَرُ ، فَقَالَتْ : إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ ، وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ ، فَمَا اسْتَيْقَظْت حَتَّى فَرَغَ . فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ) وصححه الألباني في إرواء الغليل (2362) . .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "شرح بلوغ المرام" (5/350، 351) :
... الطريق الثاني لثبوت الزنا : الحمل .. فإن ادعت شبهة وقالت : إن هذا الحمل من زنا ، ولكنني مكرهة ، فإنه لا يقام عليها الحد لاحتمال صدقها " انتهى .
هذا بالنسبة لثبوت الحد وإقامته .
ولكن هناك أمر آخر أهم من هذا ، وهو شناعة هذه الفاحشة ، أي : الزنا ؛ وقبحها في الشرع والفطر السليمة ، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة ، مع ما أعد الله لفاعلها من العذاب والنكال الشديد في الآخرة .
ثم قبح ما تقدم عليه امرأة تسمح بـ"جميع مقدمات الزنا" ؛ فتسمح بانتهاك عرضها وحرمتها ، وكشف سوأتها ، وتسمح للفاجر أن ينال منها ، ما ينال بالحرام ، حتى كانت الطامة الكبرى ، والداهية الدهياء !!
وليعلم أن عدم إقامة الحد : لا يخفف من شناعة الجرم شيئا ، بل ربما كانت إقامة الحد رحمة بصاحبه ، وتخفيفا عنه ، وكفارة لذنبه .
والواجب على هذه الفتاة : هو التوبة من هذا الذنب ، وتلك القبائح التي ألمت بها . فتندم على ما فعلت ، وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك أبدا ، وتجتهد ما استطاعت في الأعمال الصالحة ، عسى الله تعالى أن يغفر لها ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
والله أعلم .