لي صديقة تقدم لها خاطب، فوافقت عليه، وبدل الخطبة فضلت القيام بعقد شرعي دون توثيق؛ حتى تتمكن من التعرف عليه أكثر قبل الزواج، ثم حددا موعدا للزواج، العقد والوليمة، وقبل الزواج بأسبوع أصر أن يأخذها إلى المدينة التي يقطن فيها ثم يكتبا العقد، مدعيا أنه يحل له ما يحل للزوج على زوجته، لكنها رفضت، ثم اكتشفت أنه متزوج من أخرى، وفي تونس لا يمكنه القيام بعقدين مدنيين، وعائلتها لن ترضى طبعا أن يدخل بها دون توثيق، في نظر المجتمع لن تكون إلا زانية، ولأنه خدعها لم تعد تريد إتمام الزواج، لكن هو يهددها بحق الطاعة أمام الله، وأصبحت تخشى على نفسها منه، فمن بدأ بالخداع كيف تأمن نفسها معه، وتريد الخلع، ولا تعرف من أين تطلبه ، فلا قضاء شرعي عندنا .
الحمد لله.
أولا:
النكاح إذا توفرت شروطه من رضى الطرفين، ووجود ولي المرأة وشاهدين، فإنه نكاح صحيح ولو لم يوثق، لكن التوثيق واجب في هذا الزمان؛ لما يترتب على عدمه من احتمال ضياع حق الزوج أو الزوجة أو الأولاد أو الجميع.
ثانيا:
إذا قبلت المرأة العقد دون توثيق، لغرض التعرف على الزوج على شرط أن العقد سيوثق قبل الدخول، أو كان العرف المطرد ألا تتزوج المرأة دون توثيق، وأنها تعتبر في نظر المجتمع زانية إن تزوجت دون توثيق، فهذا بمثابة الشرط؛ لأن المعروف عرفا، كالمشروط شرطا، فإذا تعذر توثيق النكاح كان للزوجة الفسخ.
والأصل في ذلك أن الشروط معتبرة في النكاح؛ لما روى البخاري (2721)، ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ رواه أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فإذا لم يتحقق الشرط اللفظي أو العرفي كان لها الفسخ.
قال ابن قدامة رحمه الله :" وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة، أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها ... فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق.
وأبطل هذه الشروط الزهري , وقتادة وهشام بن عروة ومالك، والليث، والثوري، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي".
ثم قال رحمه الله: " إذا ثبت أنه شرط لازم، فلم يف لها به: فلها الفسخ، ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط: إذاً يطلقننا! فلم يلتفت عمر إلى ذلك، وقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، ولأنه شرط لازم في عقد، فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به، كالرهن، والضَّمِين في البيع " انتهى من "المغني" (9/ 483).
وعليه: فإن لهذه الزوجة حق الفسخ، فتخبر زوجها أنه ما لم يوثق النكاح، فإنها تختار الفسخ.
ثالثا:
الأصل أن الفسخ هنا لا يقوم به إلا القاضي؛ لوجود الخلاف في الفسخ بتخلف الشروط.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فصل: ويحتاج الفسخ إلى حكم حاكم؛ لأنه مجتهد فيه، فهو كفسخ العنة، والفسخ للإعسار بالنفقة. ويخالف خيار المعتقة؛ فإنه متفق عليه" انتهى من "المغني" (7/ 188).
لكن إذا لم يوجد قاض شرعي، أو تعذر الترافع إليه لعدم التوثيق، فإن الفسخ يقوم به جماعة من المسلمين العدول.
قال العدوي في حاشيته على "كفاية الطالب الرباني" (2/ 133): " وجماعة المسلمين العدول يقومون مقام الحاكم في ذلك، وفي كل أمر يتعذر الوصول إلى الحاكم أو لكونه غير عدل" انتهى.
فتتواصل المرأة مع أحد العلماء، أو الدعاة في بلدها ، ويتدخل في المشكلة، ويتصل بزوجها ، ثم يخبره بأنه قد تم فسخ النكاح بينهما ، وهذا يكون كحكم القاضي ويلزم به الزوج .
والله أعلم.