الحمد لله.
أختنا الفاضلة
أولا :
اعلمي أرشدنا الله وإياكِ أن أمر الزواج وما إليه لا يسير إلا على وفق مقادير الله تعالى ، شأنه في ذلك شأن كل شيء في هذه الدنيا ، فلا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع الله ، والعطاء الدنيوي ليس دليلا على رضى الله ، والمنع كذلك ليس دليلا على غضب الله ، ذلك بـأن الله تعالى يعطي الدنيا وما فيها لمن يحب ولمن لا يحب ، وكذا يمنعها عمن يحب وعمن لا يحب ، ولذا قال تعالى :
( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ..) سورة الفجر/15-16.
و(كلا) هذه إبطال لما قبلها من الأفكار المغلوطة التي فيها الربط بين رضى الله والعطاء الدنيوي ، والربط بين سخطه سبحانه ومنعه العطاء !
وعليه ؛ فالأمر لا يتعلق بمجرد اغتنام الفرص أو إهدارها ، وإنما هي المقادير !!
فكم من فتاة فتحت الأبواب على مصراعيها ، واغتنمت جميع الفرص المتاحة ، سواء كانت محرمة أو مباحة ، ثم آل أمرها إلى عدم الزواج ، بل إلى كُره فكرة الزواج ، وذلك لما عانت من تجارب عاطفية فاشلة ، وما ترتب عليها من تقلبات نفسية مزاجية ، وتوتر ، وقلق ، وأعراض اكتئابية ، حتى وصل الأمر بكثير منهن لدرجة التلبس باضطراب نفسي ، والتردد على الطبيبات النفسيات لعلاجه والتخلص من أعراضه !
وعلى الناحية الأخرى ، كم من فتاة اكتفت بفتح باب الزواج على مراد الله ، وراعت في تعاملها مع الرجال حدود الله ، ثم آل أمرها إلى الزواج ، ورزقها الله من حيث لم تحتسب ، بل من حيث ظنت ألا رزق لها هنالك !!
وحينئذ ، فلا وجه للتلاوم أو الندم ، في حق من وقف عند مراد الله ، والتزم شرعه ، وأخذ بالأسباب المتاحة له ، ولو كان منها توسيط خاطبة ، أو الإيعاز لبعض أهل الخير ، والعارفين بالناس ، للتوسط في ذلك .
ولتعلمي يا أمة الله ، أن الزواج وغيره من أقسام الناس في الدنيا ، وأرزاقهم : إنما هو مقدر من عند الله ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
وفي الحديث الجليل البالغ المعنى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: ( يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، وَاحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، وَتَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّ الْخَلاَئِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُعْطِيَكَهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ أَنْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعْطِيَكَهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَالْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. ) .
رواه عبد بن عبد حميد في "المنتخب" (636) ، وهو بنحوه عند الترمذي وغيره ، وصححه الألباني .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِي : أَنَّ نفْسًا لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمِ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ .
رواه الطبراني في الكبير (7694) صححه الألباني لغيره .
والحالة الوحيدة التي تلام فيها المرأة على أنها لم تعط الفرصة للخطاب : هي رفضها للخطاب بلا مبرر واضح ، أو رفضها لفكرة الزواج من الأساس ، أو الانطوائية والانعزال الزائد عن حد الاعتدال ، فلا يعرفها أحد من النساء ولا الرجال ، وهذه الصورة غالبا ما تقع على خلفية اضطرابات نفسية ، وتقلبات مزاجية ، تفتقر إلى التدخل العلاجي .
ثانيا :
وأما فكرة اختيار الرجل الملتزم للجميلة فحسب : فهذا أمر نسبي اعتباري ، يختلف في درجته بين الرجال باختلاف طبائعهم وثقافتهم وبيئتهم وهيئتهم ووجاهتهم وغيرها ، وتختلف أذواق الناس ومقاييسهم في تقدير الجمال الذي يطلبونه ، أو الحد الملائم له ، ليعيش حياة مستقرة مع أسرته؛ فما لا يُرضي أحدهم في الهيئة والملامح ، يُرضي غيره ، وهكذا حال الناس وعيشهم ، كما هو ظاهر معلوم .
ومع أن مراعاة جمال المرأة ، أو حد "القبول" فيها : أمر لا يذم ولا يلام صاحبه ، إلا أن الذي يلام صاحبه ويذم أن يجعل اختياره على حساب دين المرأة ، أو ألا يلقي لدينها بالا من أساسه!!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " .
رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) .
ثالثا :
وفيما يتعلق بالحكمة من خلق النساء ، فالنساء شقائق الرجال في هذه الحكمة ، فكما أن الحكمة من خلق الرجال هو عبادة الله تعالى والعمل بطاعته ، فكذلك هي الحكمة من خلق النساء
قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( الذاريات /56-58.
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الأحزاب/35.
هذا رأس الأمر وأساسه ، عبادة الله وتوحيده والعمل بطاعته ، والدعوة إليه سبحانه على مستوى الأقارب والأصدقاء والمعارف ، ومن خلال اللقاءات الدعوية النسائية في المساجد ، إن كان متاحا ، أو الغرف الصوتية الدعوية على شبكة الإنترنت ، أو من خلال الكتب والمقالات الدعوية وغيرها .
وعلى المستوى الدنيوي فدور المرأة - سواء كانت متزوجة أم لا - ليس قاصرا على إنجاب الأطفال وتربيتهم ، بل يتعدى للمشاركة في الأعمال التطوعية الميدانية ، لاسيما التي تتطلب وجود الأخوات للتعامل مع النساء بدلا عن الرجال .
والحاصل :
أن العبد الصالح ، رجلا كان أو امرأة ، لن يعدم بابا من الخير والنفع ، يتقرب إلى الله به ، ويفتح عليه الدخول إلى رب العالمين منه ، مهما صغر أو كبر ، سواء كان في حسن تبعل المرأة لزوجها ، ورعايتها بيتها وأولادها ، إن قدر لها ذلك ، أو في طاعة ربها ، فيما افترض عليها ، فتصلي خمسها ، أو تزيد ، وتصوم شهرها ، وتتنفل ، وتحفظ فرجها عما حرم الله عليها ، وتعين من حولها ، وتصل جيرانها ، وتحسن إلى الخلق بما استطاعت ؛ ولو أن تكف أذاها عن الناس .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ .
رواه البخاري (2518) ومسلم (84) واللفظ له .
رابعا :
وأما فيما يتعلق بالنفقة فهي واجبة من الآباء على الأبناء الذين لا مال لهم ، ولا يقدرون على التكسب ، كبارا كانوا أو صغارا .
ولبيان ذلك بأدلته انظري جواب السؤال رقم (42220) ورقم (13464).
وفيما يتعلق بممارسة العادة فغاية ما فيها - والحالة هذه - أنها طريقة للتخلص من التوتر والقلق النفسي الناتج عن الشعور بالوحدة والاحتياج لوجود زوج قوام على شؤونك ، وليست مجرد شهوة عارضة !
والأخذ بكل سبب مزيل لمشاعر القلق والتوتر النفسي في هذا الوقت سيعينكِ على التخلص من ممارستها .
وعلى رأس هذه الأسباب الذكر وتلاوة القرآن والصلاة بخشوع وتدبر في كل منها .
ومن الأسباب الفعالة كذلك تمارين الاسترخاء كتمارين التنفس وبسط العضلات .
وننصح كذلك بالرجوع لطبيبة نفسية من ذوات الأمانة والدين ، للتخلص من أعراض القلق النفسي من خلال تعليمك تمارين الاسترخاء وجلسات تنطيم المشاعر وجلسات العلاج المعرفي السلوكي .
نسأل الكريم ، الجواد الرحيم ، الرزاق ذا القوة المتين : أن يمن عليك بسابغ فضله ونعمه ، وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة ، وأن يصلح لك شأنك وعيشك ، ويشرح صدرك بالرضا واليقين .
والله أعلم .