الحمد لله.
أولا:
الوعد: هو "الإخبار بإيصال الخير في المستقبل" الموسوعة الفقهية (44/ 72).
وقد جاء الأمر بالوفاء بالوعد في نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم : (اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) رواه أحمد (22757) وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
واختلف الفقهاء في كون الوعد ملزما ديانة، أو قضاء، على أقوال، أرجحها أن الوعد ملزم ديانة في كل حال، وملزم قضاء إذا دخل الموعود به في كلفة بسببه .
والقول بوجوب الوفاء بالوعد مطلقا ، ذهب إليه عمر بن عبد العزيز وابن شبرمة ، وذكر البخاري في صحيحه أنه قول الحسن البصري، وقضى به ابن الأشوع، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب. صحيح البخاري (3/ 180) كتاب الشهادات، بَابُ مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الوَعْدِ.
وهو قولٌ لبعض الحنفية، وبعض المالكية، ووجه في مذهب أحمد اختاره تقي الدين ابن تيمية.
والمذهب عند الحنفية أن الوعد المعلق على شرط، يكون لازما، ومثاله: لو قال رجل لآخر: بع هذا الشيء لفلان، وإن لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيه لك، فلم يعط المشتري الثمن، لزم المواعد أداء الثمن المذكور بناء على وعده.
وذهب المالكية إلى إن الوعد إذا كان مرتبطا بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء به كما يجب الوفاء بالعقد . أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد .
وذلك كما إذا وعده أن يسلفه ثمن دار يريد شراءها ، فاشتراها الموعود حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج، فتزوج اعتمادا على هذا الوعد ؛ ففي هاتين الحالتين وأمثالهما : يلزم الواعد قضاء بإنجاز وعده. أما إذا لم يباشر الموعود السبب، فلا يلزم الواعد بشيء.
وهذا هو القول المشهور والراجح في مذهب مالك، وعزاه القرافي إلى مالك وابن القاسم وسحنون.
وتنظر هذه الأقوال في الموسوعة الفقهية (44/ 74- 78).
ثانيا:
أما الجعالة ، فهي عقد على عمل معلوم ، بمقابل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (15/208) :
" الجُعل ، بالضم : الأجر، يقال: جعلت له جعلا .
والجِعالة ، بكسر الجيم ، وبعضهم يحكي التثليث : اسم لما يُجعل للإنسان على فعل شيء.
والجَعِيلة ، مثال كريمة : لغة في الجُعل.
وعرفها المالكية: بأن يجعل الرجل للرجل أجرا معلوما، ولا ينقُده إياه ، على أن يعمل له ، في زمن معلوم ، أو مجهول، مما فيه منفعة للجاعل . على أنه إن أكمل العمل، كان له الجعل، وإن لم يتمه، فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه.
وعرفها الشافعية: بأنها التزام عوض معلوم، على عمل معين، معلوم، أو مجهول، يعسر ضبطه.
وعرفها الحنابلة: بأنها تسمية مال معلوم، لمن يعمل للجاعل عملا مباحا، ولو كان مجهولا، أو لمن يعمل له مدة، ولو كانت مجهولة . " انتهى .
فالفرق بين الوعد والجعالة من جهتين:
1-أن الجعالة عقد على عمل، بخلاف الوعد –ولو قيل بلزوم الوفاء به- فإنه إخبار كما تقدم، ولا يطلب فيه عمل من الموعود، كما لو قال: إن جاء أول الشهر أعطيتك كذا، أو إن رزقت بمولود فله كذا، فهذا وعد، لا جعالة.
فالجعالة أخص من الوعد، فهي وعد ، بشرط حصول العمل.
قال ابن قدامة رحمه الله: " والجعالة : وعد، بشرط" انتهى من المغني (10/ 5).
2-أن الجعالة لابد فيها من معلومية الجعل، بخلاف الوعد فيجوز بالمجهول.
قال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب (1/ 452): " قوله: (كأن قال: استأجرتك للحج بنفقتك، أو حج عني بها) قال شيخنا : هذه جعالة فاسدة، لجهالة عوضها ، وهي غير التي تقدمت في كلام الشارح ، إذ فيها : (وأعطيك النفقة) ؛ فهو وعد ينصرف إلى الإرزاق، فخرج عن الإجارة والجعالة" انتهى.
والله أعلم.