الحمد لله.
هذا العقد بين المؤجر والمستأجر مقسّم إلى جزأين ، فهو بمنزلة عقدين :
الأول : تعاقدا فيه عقدا باتا على الأشهر الستة الأولى .
والجزء الثاني : غير لازم على المستأجر ، وهو الأشهر الستة الأخيرة .
فالإجارة في حق الأشهر الستة الأولى : لازمة ، فيجب على المستأجر أن يدفع الأجرة المتفق عليه مقابل استئجار البيت لستة أشهر ، سواء سكن في البيت هذه المدة ، أم لم يسكن فيه ، ما دام المؤجر قد سلمه مفتاح البيت ، ولم يمنعه من سكنه ؛ لأن الإجارة عقد لازم ، لا يجوز لأحد من المتعاقدين أن ينفرد بفسخه ؛ إلا إذا رضي المالك وتنازل عن إلزامك بالأشهر الثلاثة المتبقية من هذه الستة الأولى ، عن طيب نفس منه .
فإن رفض التنازل عن حقه في أجرة الأشهر الثلاثة : فالحق له ، ولك في هذه الحالة أن تؤجر البيت لمن ينتفع به في هذه المدة ، إن شئت .
وينظر جواب السؤال (152774) .
وأما الجزء الثاني من العقد : فغير لازم على المستأجر ؛ لأنه اشترط لنفسه حقا سائغا ، فله استيفاؤه.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى صحة اشتراط الخيار في الإجارة ، بمعنى أن يشترط المتعاقدان أو أحدهما أن له الحق في فسخ العقد خلال مدة محددة ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ، وأحد القولين في المذهب الشافعي .
وأما مذهب الحنابلة فإنهم يجيزون خيار الشرط إذا كان عقد الإجارة على مدة لا تلي العقد ، وهي الصورة الواردة في السؤال ، لأن الكلام عن الأشهر الستة الثانية ، وليست الأولى .
جاء في "الموسوعة الفقهية " (1/257) عن خيار الشرط :
"وَاشْتِرَاطُهُ جَائِزٌ فِي الإْجَارَةِ ، عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، وَقَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الإْجَارَةِ عَلَى مُعَيَّنٍ –وهي الصورة التي معنا-" انتهى .
فتبين بذلك : أن لك الحق في فسخ عقد الإجارة ، واسترداد الأجرة عن الأشهر الستة الثانية .
ولا يقال : إن مدة الخيار في الشرط طويلة ؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم : صحة خيار الشرط ، ولو طالت المدة .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ ، مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ ، مِنْ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ، قَلَّتْ مُدَّتُهُ ، أَوْ كَثُرَتْ .
وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَالْعَنْبَرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ" .
ثم استدل ابن قدامة على صحة ذلك ، بـ: "أَنَّهُ حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ، فَرُجِعَ فِي تَقْدِيرِهِ إلَى مُشْتَرِطِهِ، كَالْأَجَلِ .
أَوْ نَقُولُ: مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَكَانَتْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، كَالْأَجَلِ" انتهى من " المغني " (3/498-499) باختصار.
والخلاصة :
أنه من حقك أن تسترد أجرة الأشهر الستة الثانية .
وأما الأشهر الثلاثة المتبقية من الستة الأشهر الأولى : فلا حق لك في استرداد أجرتها ، إلا إذا رضي المالك .
والله أعلم .