الحمد لله.
روى البخاري في "الأدب المفرد" (172): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تقُولُوا: قَبَّح الله وجْهَهُ )، وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص 85) .
وقد نص على علة هذا النهي في رواية أخرجها الإمام أحمد في "المسند" (12 / 382) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يَقُلْ: قَبَّحَ اللهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ )، وحسن إسناده الألباني في "السلسة الصحيحة" (2 / 519).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (498)، وغيره، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ ) وهذا حديث اختلف أهل العلم في صحته، وممن صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقال حرب الكرماني في "كتاب السنة" سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن. وقال إسحاق الكوسج سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح " انتهى. "فتح الباري" (5 / 183).
وينظر : "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" للكوسج (15/87) .
وصرح شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية" (6 / 447 - 448): أن أدنى أحواله أن يكون حسنا.
وفي الفتوى رقم (20652) ورقم (21949) قد تم بسط معنى ( فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ )، فيحسن مراجعتها للأهمية.
فحكم النهي متعلق بمعنى ؛ وهو : أن هذا الوجه مكرم فلا يهان؛ لكرامة الصورة التي خلق الله عليها آدم عليه السلام وشرّفه بها.
وهذا المعنى موجود في وجه الكافر في الدنيا ، كما هو موجود في وجه المسلم، فيكون الحكم شاملا لجميع الآدميين؛ كما هو مقرر عند أهل العلم: أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ومن الأصول -المستنبطة من الكتاب والسنة-: قولهم: "الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً" .
فالعلل التامة التي يعلم أن الشارع رتب عليها الأحكام، متى وجدت وجد الحكم، ومتى فقدت لم يثبت الحكم " انتهى. "رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة" (ص 105).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه عام في جميع الآدميين " انتهى. "بيان تلبيس الجهمية" (6 / 582).
ثانيا:
تقبيح وجه الزوجة داخل في النهي السابق، بلا إشكال ؛ فإذا كنا قد قررنا أنه لا يشرع تقبيح وجه الكافر ؛ فكيف بوجه الزوجة والعشير ؟!
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصها ، بالذكر في هذا الحكم ، تنبيها على هذا الخطر ، ألا تجر الملاحاة بين الزوجين إلى الوقوع فيما نهى الشرع ، أو التساهل فيما لا يشرع من القول .
فعن معاوية بن حيدة، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نِسَاؤُنَا؛ مَا نَأْتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: ( ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تُقَبِّحِ الْوَجْهَ، وَلَا تَضْرِبْ ) رواه أبو داود (2143)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1 / 596).
والله أعلم.