الحمد لله.
أولا:
يجوز العمل في تحصيل الديون مقابل مبلغ معلوم، أو نسبة من المبلغ المتحصّل.
قال في "غاية المنتهى" : "يصح تشبيها بالمضاربة" ثم ذكر مسائل منها: " كخياطة ثوب، ونسج غزل، وحصاد زرع ... واستيفاء مال، وبناء دار، ونجر خشب، بجزء مشاع منها" انتهى من "غاية المنتهى" مع "مطالب أولي النهى" ( 3/ 542).
وقال في "كشاف القناع" (3/ 615): " وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه، واستيفاء مال بجزء منه" انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة: (14/ 269): " لدي مكتب متخصص في تحصيل الديون، وأقوم بتحصيلها مقابل أتعاب محددة أتقاضاها بموجب اتفاق مبرم مع صاحب الدين، فهل في هذا محذور؟ ثم إنه تتصل بي بعض البنوك لتطلب مني تحصيل ديونها لدى الغير، ويدفعون لي أتعابا إلا أنني لم أوافق حتى الآن؛ لأستنير برأيكم وتوجيهكم الشرعي؟ ثم هل يشترط أخذ الأتعاب من صاحب الدين قبل أو بعد استحصال مبلغه؟ وهل في تحديد نسبة مئوية من أصل المبلغ كأتعاب أي محذور؟
الجواب: إذا كانت الديون غير ربوية : فلا بأس بأخذ الأجرة على تحصيلها لصاحبها ممن هي عليه .
أما الديون الربوية: كمداينات البنوك التجارية، فلا يجوز للمسلم أن يسعى في تحصيلها، ولا أخذ الأجرة على ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن إقرار المنكر.
ومبلغ الأجرة ووقت أخذها راجعان إلى ما يصطلح عليه الطرفان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا).
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد " انتهى.
ثانيا:
يتحمل المدين المماطل ما غرمه الدائن في سبيل تحصيل الدين، كأجرة المحامي والتقاضي ونحو ذلك.
قال في "كشاف القناع" (3/419): "ولو مطل المدينُ ربَّ الحق ، حتى شكا عليه : فما غرمه ربُّ الحق ، فعلى المدين المماطل ، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد ، لأنه تسبب في غرمه بغير حق" انتهى .
لكن هذا يكون على المماطل ، الذي يتمكن من تسديد الدين لكنه يؤخر تسديده من غير عذر ، أما المعذور كالمعسر الذي لا مال له ، فلا يلزمه دفع شيء ، لأن الواجب على الدائن أن يمهله حتى ييسر الله له ويرزقه ، قال الله تعالى : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ البقرة/280 .
ثالثا:
أما أخذ المحصّل شيئا من المدين على أنه أتعاب، فلا وجه له، فإن هذا المال يُستحق مقابل العمل، ولا ندري ما العمل الذي سيقوم به المحصّل لصالح المدين.
ولا يحل مال مسلم إلا بطيب من نفسه ، فإذا كان المدين يجبر على دفع هذا المبلغ ، فإنه حرام على المحصل .
وأيضا: فالمحصل يلزمه أن يعمل لصالح الدائن، ويستوفي له جميع دينه، أو ما يقدر على تحصيله، فلا يجوز أن يأخذ شيئا من المدين حتى يسقط شيئا مما عليه ، أو يؤجله ونحو ذلك .
لكن إن كان الدائن ، هو الذي سيحمل أجرة تحصيل الدين على المدين : فقد سبق الكلام فيها في "ثانيا" .
ولا يحل للمحامين ونحوهم ، ممن يزاول هذه المهنة : أن يستغل الشيكات ، أو سندات الدين ، ونحوها مما تحت يده من أوراق ، ليأخذ شيئا من مال المدين ، ، بغير حق ، فوق أجرته التي أخذها من الدائن ، أو يزيد في أجرته عن أجرة المثل ، أو نحو ذلك من المظالم التي تشيع في مثل هذه المعاملات :
فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ .
قَالَ : ذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ !! "
رواه ابن حبان (5978) وغيره ، وصححه الألباني .
والله أعلم.