هل من الصواب أن نقول أن أي مسألة فقهية تخالف ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهي ضعيفة، حتى وإن كان القائل بها من أئمة الإسلام كالأوزاعي، وابن تيمية، وابن حزم؟
الحمد لله.
أولا:
أُرسل الرسول صلى الله عليه وسلم ليبين لنا أحكام ديننا.
قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ النحل (44).
فلمعرفة أحكام ديننا يجب الرجوع إلى الوحي الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة.
قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ آل عمران (132).
وقال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ المائدة/92.
وما اجتمعت عليه أفهام أهل العلم من الأحكام المستخرجة من نصوص الوحي؛ وما أجمع عليه العلماء فإنه يحرم الخروج عن هذا الإجماع.
قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا النساء/115.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
” وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين – إن شاء الله – لازم ” انتهى. “الرسالة” (ص 403).
وما اختلف فيه اجتهاد أهل العلم من استنباط للإحكام، فلم يجعل الشرع في هذه الحالة قول طائفة بذاتها حجة، بل أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة .
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا النساء /59.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: ” قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا وإلى كل من يخلق ويُركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس، كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق … ” انتهى. “الاحكام” (1 / 97).
والأئمة الأربعة ومن تابعهم من أهل العلم هم بعض الأمة أو غالبها، فما اتفقوا عليه فإنه لا يبلغ درجة الإجماع -الذي يجب الالتزام به وعدم الخروج عنه- وهذا باتفاق أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” معنى الإجماع: أن يجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام، وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثير من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة.
وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم؛ فليس حجة لازمة ولا إجماعا باتفاق المسلمين، بل قد ثبت عنهم – رضي الله عنهم – أنهم نهوا الناس عن تقليدهم؛ وأمروا إذا رأوا قولا في الكتاب والسنة أقوى من قولهم: أن يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم. ولهذا كان الأكابر من أتباع الأئمة الأربعة لا يزالون إذا ظهر لهم دلالة الكتاب أو السنة على ما يخالف قول متبوعهم اتبعوا ذلك … وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة رأوا غسل الدهن النجس؛ وهو خلاف قول الأئمة الأربعة.
وطائفة من أصحاب أبي حنيفة رأوا تحليف الناس بالطلاق، وهو خلاف الأئمة الأربعة … ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (20 / 10 – 11).
وقال أيضا :
” أهل السنة لم يقل أحد منهم إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة، ولا قال: إن الحق منحصر فيها، وإن ما خرج عنها باطل، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين، قولا يخالف قول الأئمة الأربعة: رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل ” انتهى. “منهاج السنة” (3 / 412).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” ومن تأمل مذاهب العلماء قديما وحديثا، من عهد الصحابة وإلى الآن، واستقرأ أحوالهم، وجدهم مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور، ووجد لكل منهم أقوالا عديدة انفرد بها عن الجمهور، ولا يستثنى من ذلك أحد قط، ولكن مستقل ومستكثر ، فمن شئتم سميتموه من الأئمة، تتبعوا ما له من الأقوال التي خالف فيها الجمهور، ولو تتبعنا ذلك وعددناه، لطال الكتاب به جدا ، ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم، ومن له معرفة بمذاهبهم وطرائقهم، يأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم، ولكن هذا في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، ولا تدفعها السنة الصحيحة الصريحة ” انتهى. ” زاد المعاد” (5 / 214).
لكن قد تتابع أهل العلم – بعد استقراء أقوال الأئمة الأربعة وأتباعهم – على الإشارة إلى أنّ ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة من الأحكام: فالأغلب أنه هو القول الراجح، الموافق للسنة، وأقوال السلف، وعملهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وقول القائل: لا أتقيد بأحد هؤلاء الأئمة الأربعة.
إن أراد؛ أنه لا يتقيد بواحد بعينه دون الباقين: فقد أحسن؛ بل هو الصواب من القولين.
وإن أراد: أني لا أتقيد بها كلها، بل أخالفها، فهو مخطئ في الغالب قطعا؛ إذ الحق لا يخرج عن هذه الأربعة، في عامة الشريعة.
ولكن تنازع الناس: هل يخرج عنها في بعض المسائل؟
على قولين. وقد بسطنا ذلك في موضع آخر.
وكثيرا ما يترجح قول من الأقوال، يظن الظان أنه خارج عنها، ويكون داخلا فيها.
لكن لا ريب أن الله لم يأمر الأمة باتباع أربعة أشخاص دون غيرهم؛ هذا لا يقوله عالم ” انتهى. “مختصر الفتاوى المصرية” (ص 61).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
” لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها، بأن الحق في خلافها ” انتهى. “سير أعلام النبلاء” (7 / 117).
ثانيا:
وما سبق بيانه من أن مجرد اتفاق الأئمة الأربعة ليس بحجة، لكن القول الراجح في الغالب لا يفارق هذا الاتفاق.
هذا كله لا ينتقض -إن شاء الله تعالى- بما قرره عدد من أهل العلم: من أنّه لا يجوز في هذه الأزمان الخروج عن أقوال المذاهب الأربعة؛ لأن عمدتهم في هذا ليس كون اتفاقهم حجة شرعية لا يجوز مخالفتها؛ وإنما عللوا ذلك بالآتي:
الأمر الأول: أن في هذا المنع عن الخروج عن المذاهب الأربعة صيانة لدين الأمة.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” فإن قال أحمق متكلف: كيف يُحصر الناسُ في أقوال علماء متعينين، ويُمنع من الاجتهاد، أو من تقليد غير أولئك من أئمة الدين؟
قِيلَ لَهُ: كما جمع الصحابةُ -رضي الله عنهم- الناسَ عَلَى حرفٍ واحد من حُروف القرآن، ومنعوا الناس من القراءة بغيره في سائر البُلدان؛ لما رأوا أنَّ المصلحةَ لا تتم إلا بذلك، وأنَّ الناس إذا تُركوا يقرءون عَلَى حروفٍ شتَّى، وقعوا في أعظم المهالك؛ فكذلك مسائلُ الأحكام وفتاوى الحلالِ والحرام، لو لم تُضبط الناسُ فيها بأقوال أئمة معدودين؛ لأدَّى ذلك إِلَى فساد الدين، وأن يُعد كلُّ أحمق متكلف طلبت الرياسة نفسُه من زمرة المجتهدين، وأن يبتدع مقالةٌ ينسبها إلي بعض من سلف من المتقدمين؛ فربما كان بتحريف يُحرِّفه عليهم، كما وقع ذلك كثيرًا من بعض الظاهريين، وربما كانت تلك المقالة زلةٌ من بعض من سلف، قد اجتمع عَلَى تركها جماعةٌ من المسلمين.
فلا تقتضي المصلحةُ غير ما قدَّره الله وقضاه، من جمع الناس عَلَى مذاهب هؤلاء الأئمة المشهورين رضي الله عنهم أجمعين ” انتهى. “مجموع رسائل ابن رجب” (2 / 625).
وقال البُرْزُلي رحمه الله تعالى:
” إنّ المازري سئل: هل يسوع لي الأخذ بقول ابن المسيب في المبتوتة وإحلالها بالعقد أم لا؟ …
فأجاب: … أنَّ هذا باب إِنْ فُتح، حدث فيه خروق من الديانات …
وإنني رأيت من الدين الجازم، والأمر الحاتم، أن أنهى عن الخروج عن مذهب مالك وأصحابه؛ حماية للذريعة، ولو ساغ هذا لقال رجل: أنا أبيع دينارا بدينارين تقليدا لما روي عن ابن عباس، ثم يقول آخر: أتزوج امرأة وأستبيح فرجها من غير ولي ولا شهود، تقليدا في الولي لأبي حنيفة وفي الشهود لمالك، وبدانق تقليدا للشافعي.
وهذا عظيم الموقع في الضرر ” انتهى. “جامع مسائل الأحكام” (1 / 85 – 86).
الأمر الثاني: أن أقوال الأئمة غير الأربعة لم يُعتن بها العناية اللازمة؛ فلعل أقوالهم التي نقلت لم تصل إلينا مضبوطة ومحررة، فقد يكون لها مكملات لم نعلمها.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” قد نبَّهنا عَلَى علة المنع من ذلك، وهو أنَّ مذاهب غير هؤلاء لم تشتهر ولم تنضبط، فربما نُسب إليهم ما لم يقولوه، أو فُهم عنهم ما لم يريدوه، وليس لمذاهبهم من يذبّ عنها، ويُنبّهُ عَلَى ما يقع من الخلل فيها؛ بخلاف هذه المذاهب المشهورة ” انتهى. “مجموع رسائل ابن رجب” (2 / 626).
وقال القرافي رحمه الله تعالى:
” رأيت للشيخ تقي الدين بن الصلاح ما معناه: أن التقليد يتعين لهذه الأئمة الأربعة دون غيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم -وغيرهم.
وعلل ذلك أن مذاهب هؤلاء انتشرت، وانبسطت، حتى ظهر فيها تقييد مطلقها، وتخصيص عامها، وشروط فروعها.
فإذا أطلقوا حكمًا في موضع، وُجِد تكميله في موضع آخر.
أما غيرهم، فتنقل عنه الفتاوى مجردة، فلعل لها مكملاً، ومقيدًا، أو مخصصًا، لو انبسط كلام قائله لظهر، فيصير في تقليده على غير ثقة، بخلاف هؤلاء الأربعة.
وهذا توجيه حسن ” انتهى. “نفائس الأصول” (9 / 3966).
وهذا كله إنما يقال في حق العامي، والشادي من المتعلمين والمتفقهة.
وأما العالم، وطالب العلم المتمكن من آلة البحث والنظر، والممارس للفقه، كثير النظر في كلام الفقهاء، العارف بمواقع الأدلة، ووجوه النظر فيها = فليس عليه حجر إذا اطلع على قول سابق يخالف ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، وعلم وجود نزاع محقق في المسألة: أن يرد ذلك التنازع إلى الكتاب والسنة، كما أمر الله تعالى؛ وأن يقول بمقتضى ما استبانت له حجته، أو يفتي، أو يعلمه للناس
ثالثا:
وبهذا يتبين أنه لا حرج على العالم إذا أداه اجتهاده إلى قول مخالف لما اتفقت عليه المذاهب الأربعة ، ولا حرج عليه أن يفتي به ، وليس لأحد أن ينكر عليه ذلك ، لأن المسألة ما دامت اجتهادية، فلا حرج على المجتهد فيما أداه إليه اجتهاده ، ولا حرج على من قلده وأخذ بقوله في ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” ولو قضى أو أفتى بقول سائغ، يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرهما، مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين، ولم يخالف كتابا ولا سنة ولا معنى ذلك؛ بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية – كالاستدلال بالكتاب والسنة – فإن هذا يسوغ له أن يحكم به ويفتي به.
ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه إذا حكم، ولا منعه من الحكم به، ولا من الفتيا به، ولا منع أحد من تقليده.
ومن قال: إنه يسوغ المنع من ذلك: فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة؛ بل خالف إجماع المسلمين مع مخالفته لله ورسوله؛ فإن الله تعالى يقول في كتابه: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ).
فأمر الله المؤمنين بالرد فيما تنازعوا فيه إلى الله والرسول وهو الرد إلى الكتاب والسنة … ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (33 / 133 – 134).
– وأما الخشية من حصول فوضى في الفتوى تؤدي إلى تغيير دين الله تعالى؛ فإن هذا ينجي منه ما هدى الله إليه أهل العلم من ضبط مناهج الاستدلال والاستنباط، وتقريرها، والالتزام بها في عملية التحاكم إلى الكتاب والسنة.
ثم عليه أن يراعي، مع ذلك كله، أو قبل ذلك كله: ألا يكون خارجا بمقالة عن مجموع أقوال السلف المحفوظة، ومذاهب العلماء أهل الفتيا في عموم الأمصار، الذين حفظت مقالاتهم وفتاواهم. وهذا أحد أهم معالم الضبط والانضباط في هذا الموطن الذي هو مزلة أقدام. وبذلك تستبين سبيل المهتدين، ولا يضل السالك عن سبيل المؤمنين، وأئمة العلم المهتدين.
وقد رفعت إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، مسألة:
” في رجل متمسك بأحد المذاهب الأربعة، كمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين، وقد نزلت به نازلة في طلاقٍ أو غيرِه، فاستفتَى بعض العلماء، فأفتاه بقولِ أحد الأئمة المذكورين.
فعارضَه آخر، وقال: من استفتَى غيرَ أهلِ مذهبه فهو زنديق، أو نحو هذا الكلام.
فهل هذا المنكِر مصيبٌ في هذَا الإنكار أم مخطئ؟ وهل يجب عليه القتل، أو غير ذلك من أنواع التعزير؟ أفتونا رحمكم الله”.
فأجاب، رحمه الله:
” الحمد لله.
بل هذا المنكِر: مُخطئ في ذلك، باتفاق الأئمة، بل هو آثمٌ في ذلك، مستحق للعقوبة التي تَزجُره وأمثالَه عن مثلِ ذلك.
فإن كان يفهم معنى الزنديق، وأنّ الزنديق: الكافر، وجعلَ اتباعَ المسلم، في بعض المسائل، لإمامٍ غيرِ إمامِه كفرًا= فإنه يُستَتاب من هذا الكلام؛ فإن تاب، وإلاّ قُتِل.
وإن كان يظن أن الزنديق هو العاصي الجاهل الفاسق، ونحو ذلك؛ فإنه يُعزر على هذا الكلام.
ولا يجب على أحدٍ أن يتَّبع واحدًا بعينه في كلّ ما يقوله؛ وإنما يجب على الناس طاعة الله ورسولِه.
ومن قال: إنه يجب على الناس طاعة شخصٍ بعينِه، غيرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم=
فهو متناقض، مخالف لإجماع المسلمين.
فإنهم متفقون على أن كلَّ أحدٍ من الناس يُؤخَذُ من قولِه ويُترَكُ، إلاّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
والأئمة الأربعة رضي الله عنهم: نَهَوا الناسَ أن يُقلِّدوا واحدًا بعينِه، في جميع ما يقوله، وإنْ وُجدَتِ الحجة بخلافه.
والذي كَرِهَه العلماء للرجل أن يكون رخيصًا؛ يَستفتي في كلّ حادثة بما يكون له فيه رخصة.
فأما أخذُه في بعض المسائل بقولِ إمام، وفي بعضها بقولِ إمامٍ، مع تحرِّي التقوى= فهو جائز عند أئمة الإسلام. والله أعلم”. انتهى، من “جامع المسائل” (4/319-320).
فالحاصل؛ أن عبارة: “أن أي مسألة فقهية تخالف ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهي ضعيفة”، ليست صحيحة بهذا الإطلاق، لكن الصحيح أن تقيّد بالأغلب.
والله أعلم.