الحمد لله.
أولا :
ذكر بعض العلماء أن البصر قد يصاب بسبب البرق الشديد الخاطف ، خاصة إذا كانت ليلة شديدة مظلمة، لفجاءة الضوء وقوته .
قال الشيخ الأمين الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) :
"البرق الخاطف الشديد النور : يكاد يخطف بصر ناظره ، ولا سيما إذا كان البصر ضعيفا ; لأن البصر كلما كان أضعف ، كان النور أشد إذهابا له . كما قال الشاعر :
مثل النهار يزيد أبصار الورى * نورا ويعمي أعين الخفاش
وقال الآخر :
خفافيش أعماها النهار بضوئه * ووافقها قطع من الليل مظلم" انتهى .
وتلك الفترة الخاطفة قد يذهب فيها البصر مؤقتا ، ثم تتكيف العين تدريجيا حتى تستعيد رؤيتها ، ولا يبعد أن تصاب بعض الأبصار بمضاعفات مرضية .
وفي "حاشية الجمل" (2/126) :
"وَقَوْلُهُ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ؛ أَيْ : يُضْعِفُهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ" انتهى .
ثانيا :
ليس في النهي عن النظر إلى البرق حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كرهه بعض العلماء من التابعين .
أخرج عبدالرزاق في مصنفه (3/94) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ " إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ، وَلْيَصِفْ، وَلْيَنْعَتْ " .
والنفي هاهنا يفيد النهي ، والمراد التحذير من الإشارة إليه بالبصر أو بغيره .
قال أبو السعادات ابن الأثير :
"هذا أثر عن عروة بن الزبير بن العوام وكان من أكابر التابعين وزهادهم.
"والبرق": معروف وقد تقدم ذكره.
"والودق": المطر وقد ودق يدق ودقا إذا قطر.
وقوله: "ولا يشير إليه" أي لا يومئ إليه بأصبعه.
"وليصفه ولينعته": أي يصفه بالكثرة أو القلة ، أو بالقوة أو الضعف .
وما أعلم ، فيما يحضرني ، لنهيه عن الإشارة إليه وجهاً، وأرجو من الله -تعالى- أن يوفق لعرفانه .
على أنه قد جاء في بعض النسخ أن الشافعي قال: لم أزل أسمع عددا من العرب يكره الإشارة إليه" انتهى من "الشافي في شرح مسند الشافعي" (2/356) .
وجاء في "حاشية الجمل" (2/126) :
" )قَوْلُهُ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ : لَا بِبَصَرِهِ وَلَا بِغَيْرِه" انتهى .
قال النووي في "منهاج الطالبين" (55) :
"وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ" انتهى .
قال ابن حجر الهيتمي في شرح قول النووي :
" (وَلَا يُتْبِعُ بَصَرَهُ الْبَرْقَ) أَوْ الْمَطَرَ أَوْ الرَّعْدَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ ، وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ؛ فَيُخْتَارُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ" انتهى من "تحفة المحتاج" (3/82) .
وينظر : "شرح المنتهى" (1/338) .
والخلاصة :
ليس في النهي عن النظر إلى البرق حديث صحيح مرفوع ، وإنما روي عن بعض السلف، وأخذ به جمع من العلماء بعدهم، فمن اختار تقليدهم في ذلك : ساغ له ذلك .
غير أنه لا يُجزَمُ في مثل ذلك بتحريم أو كراهة.
والله أعلم .