الحمد لله.
تقليد الكفار في عاداتهم القبيحة ، كالإسراف والتبذير والأكل بالشمال ، ونحو ذلك : أمر مذموم. وقد أكرم الله تعالى هذه الأمة ، وجعلها خير الأمم، وجعل قدوتها أعظم أنبيائه ورسله، وشرع لها من محاسن الأخلاق والآداب ما يغنيها عن النظر فيما عند غيرها. قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21
وقد ذم الله تعالى الإسراف في الأكل والشرب فقال: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31
وذم التبذير فقال: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء/26، 27
قال المناوي في "فيض القدير" (1/ 50):
" والسَّرَف : صرف الشيء فيما ينبغي ، زائدا على ما ينبغي.
والتبذير : صرفه فيما لا ينبغي " انتهى.
وما ذكرت من التحدي في أكل الطعام يدخل في الإسراف والتبذير معا، كما يدخل في إضاعة المال المنهي عنه.
روى البخاري (2408) ومسلم (593) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ .
وَكَرِهَ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ) .
وينظر في شأن تقليد الكفار: جواب السؤال رقم (45200) وما فيه من إحالات.
ولو أن هؤلاء العابثين تصدقوا بأموالهم وبطعامهم على الفقراء والمساكين: لكن خيرا عظيما لهم؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ ) رواه البخاري (7430) ومسلم (1014).
ثانيا:
إذا تم التحدي على وجه المسابقة، بحيث يكون للفائز جائزة من المتسابقين ، أو من خارجهم، من نفس الطعام أو من غيره : فهذه مسابقة محرمة؛ لأنه لا يجوز بذل العوض أو الجائزة إلا في المسابقات المنصوص عليها وما أُلحق بها؛ لما روى أبو داود (2574) والترمذي (1700) وابن ماجة (2878) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والسبَق: هو المكافأة أو الجائزة التي يأخذها السابق.
وألحق بعض أهل العلم بذلك كل ما يعين على الجهاد المادي والمعنوي كمسابقات حفظ القرآن الكريم.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (104030) ورقم (138652).
فإن كانت الجائزة من مال المتسابقين، فهذا قمار محرم. وإن كانت من طرف خارجي، فليست قمارا، لكنها محرمة للحديث السابق ، ولما فيها من إضاعة المال وبذله فيما لا فائدة منه .
وإن خلا التحدي من بذل الجوائز، فهو إسراف وتبذير وإضاعة للمال ، وتشبه أيضا بالكفار ، في فعل قبيح من أفعالهم .
قال النووي: " وإنما يكون قماراً إذا شُرط المال من الجانبين، فإن أخرج أحدهما ليبذله إن غُلِبَ، ويُمسكَه إن غَلَبَ، فليس بقمار ... لكنه عقد مسابقة على غير آلة قتال، فلا يصح". انتهى "روضة الطالبين" (11/ 225).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإنَّه لو بذل العوضَ أحدُ المتلاعبين، أو أجنبي، لكان من صور الجَعالة، ومع هذا فقد نُهي عن ذلك، إلا فيما ينفع كالمسابقة والمناضلة كما في الحديث: (لا سَبَقَ إِلا فِي خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ، أَوْ نَصْلٍ)؛ لأن بذل المال فيما لا ينفع في الدين ولا في الدنيا منهي عنه، وإن لم يكن قماراً ". انتهى "مجموع الفتاوى " (32/ 223).
وعلى هذا فلا تجوز المسابقة على من يأكل أو يشرب أكثر من غيره، أو أسرع من غيره، فإنّ بذل الجوائز على ذلك محرم.
والله أعلم.