الحمد لله.
البناء والسكن فوق المسجد جائز على الراجح من كلام الفقهاء، كما ذكرنا في الجواب السابق، ولم نعتمد فيه على فتوى قديمة، بل ذكرنا مذهب المجيزين، ونقلنا فتوى اللجنة الدائمة بالمملكة، وهي لجنة معاصرة موجودة، ولا يخفى عليها الواقع وهو كون البيوت اليوم مشتملة على الحمامات والمغاسل ونحوها.
واحتمال أن يتسرب شيء من الصرف إلى المسجد احتمال وارد، لكنه ضعيف، وإذا حصل بادر المسلمون إلى إصلاحه .
وينبغي لمن يبني فوق المسجد أن يحتاط لذلك، والغالب أن تكون المواسير على أطراف المبنى، وأن تكون دورات المياه فوق دورة مياه المسجد ، لا فوق صحن المصلى.
وننقل هنا بعض كلام أهل العلم المعاصرين زيادة على ما ذكرنا للفائدة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " يقوم بعض المسلمين من بعض البلدان الإسلامية بتخصيص الدور الأرضي في إحدى العمائر السكنية مسجداً تؤدى فيه الصلاة وذلك لعدم وجود أماكن أخرى فهل يجوز ذلك؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب: لا نعلم حرجاً في ذلك لعموم الأدلة الشرعية الدالة على شرعية تعمير المساجد ، وأداء الصلاة فيها ، ولحصول المقصود بذلك دون ضرر، ولما في ذلك أيضاً من تسهيل أداء المسلمين صلاتهم جماعة في بيت من بيوت الله.
ويعطي هذا الدور حكم المسجد إذا وقفه مالكه لذلك. والله ولي التوفيق" انتهى من موقع الشيخ:
https://www.binbaz.org.sa/fatawa/1237
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " يوجد في قريتنا بجمهورية مصر العربية عدد (6) مساجد موزعة بالقرية، وحيث إنني أملك قطعة أرض فضاء تبعد عن أقرب مسجدين لها حوالي (700 متر) بينها وبين كل مسجد، ويوجد حول هذه القطعة الأرض ما يقرب عن ألف وخمسمائة مسلم، وبودي بناء هذه القطعة سكن خاص لي ، ولكن أرغب في تخصيص الدور الأرضي منها مسجدا لهذه المنطقة، والدور الثاني وما يليه سكن خاص بي، أو للإيجار.
والسؤال: هل يجوز بناء سكن خاص أو للإيجار فوق المسجد؟ علما بأن المسجد يحتوي على كتاب الله (المصحف الشريف) وكتب الفقه والحديث.
ج: إذا كانت هذه الأرض ليست وقفا على المسجد، وأنت تملكها ملكا خاصا : فلا مانع من بنائها من دورين أو أكثر ، وتخصيص الدور الأرضي مسجدا للحي الذي تسكنه، وجعل الدور الثاني وما يليه سكنا خاصا بك، أو للإيجار؛ لأن النية بناء المسجد والسكن على هذا الوضع، ولترجح المصلحة في ذلك لحاجة أهل الحي إلى المسجد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 221) المجموعة الثانية.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم البناء فوق المسجد كبناء منزل للإمام أو المؤذن؟
فأجاب: إذا كان هذا عند الإنشاء، يعني أن من أراد أن يعمر مسجدا، جعل المسجد في الأسفل، ومنزل الإمام والمؤذن فوق، فهذا لا بأس به.
أما إذا كان المسجد قائما، ثم أراد أحد أن ينشئ فوق المسجد مسكنا للإمام والمؤذن، فهذا حرام؛ لأن المسجد إذا بني صار مسجدا، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الهواء تابع للقرار...
ولكن هنا سؤال: هل الأفضل أن يجعل مسكن الإمام والمؤذن عند الإنشاء أسفل أو فوق؟
إذا كان المسكن فوق فربما يحدث دقات من الساكن، أو يحصل تهرب ماء ولا سيما من الحمامات التي لم تضبط في البناء على المسجد فتلوثه، فحينئذ يكون البناء فوق المسجد ضررا.
وإذا كان في الأسفل، أي المساكن في الأسفل، ففي الصعود إلى المسجد مشقة على بعض المصلين.
فالواقع أن المصالح والمفاسد في كون البناء أعلى أو أسفل تحتاج إلى دراسة وإلى نظر ، كما يقولون على الطبيعة" انتهى من فتاوى الحرم المكي:
https://www.youtube.com/watch?v=gAFomjMiv34
ولاشك أن بناء مسجد مستقل لا شيء فوقه أفضل وأكمل، لكن نظرا للغلاء ، وعدم تمكن كثير من المسلمين من بناء مساجد مستقلة ، وحاجتهم إلى بناء مساكن لهم على نفس الأرض : فلا حرج في هذا البناء .
والذي يظهر أن كونه فوق المسجد أفضل، حتى لا يشق الصعود على المصلين، وحتى يتمكن الباني من بناء ما شاء من الأدوار فوق المسجد، مع الاحتياط في جعل مراحيض البناء فوق مراحيض المسجد، والمبادرة بمعالجة أي تسريب يقع.
ومن قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع.
ولو منعت الأبنية فوق المساجد، لحرم الناس من مساجد كثيرة في غالب بلدان المسلمين الذين لا يقدرون على بناء المساجد المستقلة.
والله أعلم.