الحمد لله.
الذي يظهر جواز العرض المذكور، وأنه من باب الجعالة، وحقيقته أنك لا تستحق جُعلا إلا إذا حققت خمسمائة ألف مشاهدة للإعلان، فإن لم تحقق ذلك، فلا شيء لك.
ولا فرق بين أن يقول: إذا حققت خمس مشاهدات فلك كذا، وبين ما لو قال: إذا حققت نصف مليون مشاهدة، فلك كذا، فكله من باب الجعالة.
ويجب تحديد الجعل الذي تستحقه إذا حققت هذا العدد، أو حققت أكثر منه، كأن يقال: لك مائة ريال مثلا، ولك فيما زاد على الخمسمائة ألف، لكل مشاهدة كذا.
ويشترط ألا تستعمل الحيلة في هذا السبيل، فلا يجوز الاستعانة ببرامج للوصول إلى هذا العدد، بل المطلوب هو نشر المقطع المشتمل على الإعلان، بحيث يشاهده العدد المذكور.
كما يشترط خلو الإعلانات مما هو محرم؛ لحرمة أخذ الأجرة على نشر الحرام والإعانة عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (10/ 344): " بَابُ الجَعَالَةِ
وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئاً مَعْلُومَاً لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلاً مَعْلُوماً، أَوْ مَجْهُولاً مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً. .....
قوله: الجعالة فَعَالة من الجَعْل، والجَعْل معناه وضع الشيء، وفسرها المؤلف بقوله:
وهي أن يجعل شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً، أو مجهولاً، مدة معلومة أو مجهولة فالجعالة عقد لا يشترط فيه العلم بأحد العوضين، وهو ـ أي عقد الجعالة ـ فيه عوض مدفوع، وعوض معمول، فالعوض المدفوع لا بد فيه من العلم، والمعمول لا يشترط فيه العلم، المدفوع يكون من الجاعل، والمعمول يكون من العامل.
والفرق بين عقد الجعالة والإجارة، أن الإجارة مع معين، بخلاف الجعالة فهو يطلق فيقول: من فعل كذا فله كذا؛ ولهذا صارت عقداً جائزاً .
فإن قال قائل: كيف تجيزون هذا العمل مع ما فيه من الجهالة؟
قلنا: نجيزه لدعاء الحاجة إليه وليس هو على سبيل الإلزام؛ لأن العامل له أن يدع العمل في أي لحظة شاء؛ لأن الجعالة عقد جائز، ولو لم يوجد هذا الشيء لضاع للناس مصالح كثيرة .
فمثلاً هذا الشخص ضاعت بعيره فلا يمكن أن يستأجر شخصاً لإحضاره؛ لأن هذا الشخص لا يدري متى يجد البعير، فلم يبق إلا الجعالة.
فإذا قال: من رد بعيري فله مائة ريال، فهنا العوض من الجاعل معلوم، والعمل مجهول؛ لأنه لا يُعلَم أيردها عن قريب أو عن بعيد، فربما يتعب ويظن أنه يردها في يومين ولا يردها إلا في عشرة أيام، أو ربما لا يستطيع ردها مطلقاً، فنقول: العمل لا يشترط فيه العلم بالنسبة للجعالة، وهذا من محاسن الشريعة؛ لأنه قد يصعب تعيين العمل في مثل هذه الحال، فلو قال: مَنْ رد لقطتي ـ مثلاً ـ من مسافة عشرة كيلو، فقد توجد في عشرة كيلو وقد لا توجد، لكن إذا جعل العوض عوضاً عن العمل مطلقاً، والعامل حظه ونصيبه كما يقولون، فهذا لا بأس به.
فإن جعل شيئاً مجهولاً بأن قال: من رد بعيري فله ما في هذا الكيس من الدراهم، فإنه لا يجوز؛ لأنه مجهول، لا ندري أمائة أم مائتان أم أكثر؟ فلا بد أن يكون العوض المدفوع من الجاعل معلوماً ليكون العامل على بصيرة" انتهى.
والله أعلم.