الحمد لله.
أولا:
جمع التبرعات لصالح الشركة فيه تفصيل:
1-فإن كان هذا المال يجمع لمشاريع خيرية كنفع الفقراء والمساكين ونحو ذلك، أو كانت الشركة تعمل في الأعمال التطوعية غير الربحية، فيجمع هذا المال لمصلحة قيامها واستمرارها، فلا حرج فيه.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (6/ 292): " يجوز جمع التبرعات المالية في المسجد للجمعيات الخيرية؛ لما في ذلك من التعاون على البر والخير، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)" انتهى.
2-وإن كان المال يجمع لمصلحة الشركة التي لا تعمل في الأعمال الخيرية، فهذا من المسألة المذمومة.
وقد روى البخاري (1475) ومسلم (1040) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ).
وروى الترمذي (650) وأبو داود (1626) والنسائي (2592) وابن ماجه (1840) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا يُغْنِيهِ ؟ قَالَ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ).
ولا تحل مسألة الناس إلا في حالات ضيقة؛ لما ما روى مسلم (1044) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ : تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : ( أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا . ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ).
فإذا لم يكن صاحب الشركة من هذه الأصناف فلا تحل له المسألة، ولا يجوز للموظف عنده إعانته على هذه المسألة.
ثانيا:
إذا كانت المسألة جائزة ، فما أعطى الغني للشركة فهو لها، وما أعطاه للموظفين –من غير مسألة منهم- فالذي يظهر أنه يكون لهم، وأن هذا لا يدخل في هدايا العمال الممنوعة؛ لأن الغني متبرع، ليس بينه وبين الشركة معاملة حتى يُخشى من عطيته للموظفين استمالتهم ومحاباته في التعامل.
فإن كان بينه وبين الشركة تعامل، فلا يجوز أن يعطي للموظفين شيئا، إلا بإذن صاحب الشركة، ولا يجوز لهم قبول العطية إلا بإذن الشركة، لأنها حينئذ رشوة محرمة، وعليهم رد المال إلى هذا المتبرع، فإن شاء استأذن من صاحب الشركة، فإن أذن له جاز لهم أخذ المال.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (10/ 69): " فإن ارتشى الحاكم، أو قبل هدية ليس له قبولها، فعليه ردها إلى أربابها؛ لأنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد" انتهى.
فإذا انتفت شبهة الرشوة والمحاباة، لانتفاء التعامل بين المتبرع والشركة، فلا حرج في أخذ الموظفين للمال، وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (21605).
تنبيه: لا يقال هنا العطية جاءت لكونه موظفا وأنه لو جلس في بيت ابيه ما جاءته؛ لأنا نقول: "الموظف" الذي تحرم عليه الهدية إنما حرمت لمعنى ظاهر، وهو احتمال استمالته ومحاباته ونحو ذلك، لا لمجرد كونه موظفا.
وقد سبق في فتوى البقشيش رقم (21605) قول الشيخ البراك: " .. إذا انتفت من هذه الزيادة شبهة الرشوة أو المحاباة : فإنه لا حرج فيها حينئذ ... " ، وينظر بتمامه .
فهذا ، والله أعلم ، من نفس الباب : أنه إذا قدر وجود معاملة بين الشركة والمتبرع ، وانتفت الشبهة : فلا حرج، والمتبرع لو أراد إعطاء المال كله للشركة لفعل.
والله أعلم.