الامام الذي يصلي بنا يخطأ احيانا في محال الوقف والابتداء عند قراءة سورة بعد الفاتحة، مثلا قرأ يوم في صلاة الفجر [قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول -ثم توقف، وبدأ بـ- تثير الأرض ولا تسقي الحرث....]، فهذا خطأ قد غير المعنى، فهل يجب علي الرد عليه ام لا ؟ جزاكم الله خيرا
الحمد لله.
أولا :
لا شك أن مراعاة أماكن الوقف في القرآن الكريم أثناء التلاوة، من الأمور المطلوبة؛ لما لها من تعلق وثيق بمعاني الآيات، وقد مضى في الموقع بيان هذا في الفتوى رقم (159072).
فإذا وقف الإمام وقفا قبيحا خاصة إذا كان معلوما قبحه لكل أحد ويلزم منه اعتقاد باطل فإنه يحسن بالمأموم أن ينبهه - ولم نقف على من يقول بوجوبه-.
قال الزرقاني رحمه الله تعالى:
" (و) لا سجود على مصل في (فتح على إمامه إن وقف) حقيقة ... أيضًا خلط آية رحمة بآية عذاب أو تغييره تغييرًا يقتضي الكفر أو وقفه وقفًا قبيحًا فيفتح عليه بالتنبيه على الصواب " انتهى. "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (1 / 426 - 427).
لكن ينبغي للمأموم أن يراعي حال الإمام :
فمثل هذا الإمام الذي يقف وقفا قبيحا؛ قد يكون جاهلا بعلم الوقف والابتداء، فينبغي مراعاة حاله، فإذا كان لا يفهم وجه خطئه ، وكان تنبيهه سيؤدي إلى التلبيس عليه فيظن أنه نسي آية ، أو يرى أن المأموم قد أخطأ في رده عليه .. ونحو ذلك .
فكل هذا سيؤثر على الصلاة ويشغل الإمام والمأمومين ، فالأولى في هذه الحالة تأخير التنبيه إلى ما بعد نهاية الصلاة؛ لأن مفسدة هذا أعظم من مفسدة وقوفه وقفا قبيحا جهلا ومن غير تعمد لإفساد المعنى، فالوقف على ما يفسد المعنى رغم أنه قبيح إلا أنه لا يأثم صاحبه إلا إذا تعمد فعل ذلك تحريفا لكلام الله تعالى، وهذا لا يكاد يصدر من مسلم .
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
" قول الأئمة: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا على الفعل دون الفاعل ... إلى آخر ما ذكروه وبسطوه من ذلك، إنما يريدون بذلك الجواز الأدائي، وهو الذي يحسن في القراءة، ويروق في التلاوة، ولا يريدون بذلك أنه حرام، ولا مكروه، ولا ما يؤثم، بل أرادوا بذلك الوقف الاختياري الذي يبتدأ بما بعده.
وكذلك لا يريدون بذلك أنه لا يوقف عليه البتة، فإنه حيث اضطر القارئ إلى الوقف على شيء من ذلك باعتبار قطع نفس، أو نحوه من تعليم، أو اختبار جاز له الوقف بلا خلاف عند أحد منهم، ثم يعتمد في الابتداء ما تقدم من العودة إلى ما قبل فيبتدئ به، اللهم إلا من يقصد بذلك تحريف المعنى عن مواضعه، وخلاف المعنى الذي أراد الله تعالى، فإنه والعياذ بالله يحرم عليه ذلك ويجب ردعه بحسبه على ما تقتضيه الشريعة المطهرة والله تعالى أعلم " انتهى. "النشر" (1 / 230 - 231).
والحاصل : أن الأفضل أن يكون تنبيه الإمام بعد انتهاء الصلاة .
ثانيا :
كما أنه ينبغي للمأموم ألا يسارع إلى تصحيح وقف الإمام إلا إذا كان يعلم أن هذا الوقف قبيح بالاتفاق ومتيقنا من ذلك؛ لأنه يمكن أن يكون الإمام متأولا، فربما قرأ في التفاسير وجها ولو كان ضعيفا في تفسير الآية رأى أنه بهذا التفسير يجوز له الوقوف حيث وقف، ومثال ذلك الآية التي مثلت بها.
قال الله تعالى:
( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) البقرة (71).
فبعض أهل العلم – في قول ضعيف- ذهب إلى حمل الآية على وجه يجوز معه الوقوف على كلمة (لَا ذَلُولٌ).
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: (تُثِيرُ الْأَرْضَ): ( تُثِيرُ ) في موضع رفع على الصفة للبقرة، أي: هي بقرة لا ذلول مثيرة. قال الحسن: وكانت تلك البقرة وحشية، ولهذا وصفها الله تعالى بأنها لا تثير الأرض ( وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي: لا يسنى بها لسقي الزرع، ولا يسقى عليها. والوقف ها هنا حسن على هذا التأويل.
وقال قوم: ( تُثِيرُ ) فعل مستأنف، والمعنى إيجاب الحرث لها، وأنها كانت تحرث ولا تسقي. والوقف على هذا التأويل ( لَا ذَلُولٌ ).
والقول الأول أصح لوجهين:
أحدهما: ما ذكره النحاس عن علي بن سليمان أنه قال: لا يجوز أن يكون ( تُثِيرُ ) مستأنفا؛ لأن بعده ( وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ )، فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و"لا".
الثاني: أنها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذللتها، والله تعالى قد نفى عنها الذل بقوله: ( لَا ذَلُولٌ ).
قلت: ويحتمل أن تكون (تُثِيرُ الْأَرْضَ) في غير العمل مرحا ونشاطا ....
فعلى هذا يكون ( تُثِيرُ ) مستأنفا،" ولا تسقي" معطوف عليه، فتأمله." انتهى. "تفسير القرطبي" (2 / 189 - 190).
فلا ينبغي التعجل بإنكار ما فعله الإمام ، فقد يكون له وجه عند بعض المفسرين ، وعلم الوقف والابتداء – كما هو معلوم- تابع للمعنى .
والله أعلم.